الثقافة العربيّة معدنها شرقي

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

أما آن للذوق الثقافي العربي، أن يترجّل عن الحصان الخشبي للفنون الغربية؟ أما ملّ هذه الأطباق المتكررة؟ أما فكّر في أسباب الجفاء المديد المرير الذي يكنّه للفنون والآداب والحكمة الشرقية؟ أما خامرت خاطره تأملات في أنه اغترب عن ذاته عندما انقضّت عليه المدنيّة الغربية، فبدّدت مقومات هويته، وحالت دون أن يمتلك منظومة المقوّمات التي قامت عليها الحضارة الغربية؟ لم تسمح له بأن يغدو قويّاً عالماً باحثاً مخترعاً مبدعاً ديمقراطيّاً في مجتمعه.
كان على الفكر العربي أن يختلي بنفسه، ويعكف على النظر العميق في أن الحكمة والعرفان الشرقيين أقرب إلى ملامسة شغاف سرائرنا وبواطننا من الفلسفة الغربية. كونفوشيوس ولاو تسو، ميرزا غالب ورابندرانات طاغور، جلال الدين الرومي وحافظ الشيرازي وفريد الدين العطار، أروع عزفاً على أوتار مهجنا وأيسر مقاربة على أفهامنا من وعور التضاريس العصيّة للفلسفة المثالية لدى كانط وهيغل. باقة أشعار غنائية لشعراء أسرتي سونغ وتانغ الصينيتين، تسافر بك إلى عوالم رؤياوية لا عهد لروحك بالأجنحة التي حملتك إليها. غالباً ما تخفى علينا الجذور البعيدة. نقرأ عن التاويّة، العرفان الصيني، فلا يخطر على البال أن التاوية من «تاو»، الطريق، ولا نتذكّر أن الطريق في التصوف الإسلامي هو في صدارة المصطلحات الصوفية لدينا: الطرق الصوفية، شيخ الطريقة... وإذا صادف أن عرفنا أن من أشكال الموسيقى الهندية القديمة: «راجا»، فقلّما يبحث أحدنا عن الخلفية التاريخية، فيكتشف أن الكلمة تعني «الحال»، وأنها هي تلك المفردة المعروفة في ميراثنا العرفاني: «أهل الحال»، أي المتصوفون.
يحق للقارئ الكريم أن يسترسل في التوسع، فيذهب مثلاً إلى أن الرواية الروسية، التي بها نفحات شرقية خاصة، كأنها توابل روحية، لها مذاق أثير، فلو وضعتَ في إحدى كفّتي ميزان الذوق، أعمال دوستويفسكي وتولستوي، لاحتجت في الكفة الأخرى إلى أضعاف أضعافها من الروايات في أوروبا الغربية، أين تجد في بريطانيا أو فرنسا، الأسلوب الذي يتجاوز الشعر، في قصص جنكيز آيتماتوف القرغيزي؟ لكن، من الأفضل عدم الإسراف في هذه المفاضلات والمقارنات، حتى لا نقع في فخ لا تحمد عقباه، فالآداب الإنسانية شيء، والسلوكيات التي جرّدت الغرب من الإنسانية بفظائع النزعات الاستعمارية، شيء آخر. الأمل في: «ولولا دفع الله الناس...».
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستعدادية: النظام العالمي المنتظر، يحتاج إلى ثقافة تشرق من المشرق.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2zbek52z

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"