لم يعالج جوناثان بلوم في كتابه «قصة الورق.. تاريخ الورق في العالم الإسلامي قبل ظهور الطباعة» (ترجمة د. أحمد العدوي) تاريخ الورق بوصفه فصلاً من فصول القصة الأوسع، وهي اختراع المطبعة وظهور الكتاب المطبوع، على النهج نفسه الذي انتهجه أكثر الباحثين الذين تصدوا لدراسة تاريخ الورق من قبل، بل انصبّ تركيزه على دراسة تاريخ الورق في العالم الإسلامي فحسب، ومن حيث شكل الورق وسيطاً رائعاً لنقل المعرفة.
على هذا النحو تبين المؤلف ملامح ثورة علمية كبرى نشأت في ديار الإسلام بفضل الورق، إلا أن ملامح تلك الثورة ضاعت في خضم الجلبة التي نجمت عن ظهور الطباعة، وسيادة الكتاب المطبوع على نظيره المخطوط في أوروبا ثم التطورات التي ترتبت على ظهور الطباعة لاحقاً.
ونسب بلوم الفضل للحضارة الإسلامية في ما تعلق بإدخال تقنيات صناعة الورق إلى أوروبا، فقد اخترع غوتنبرج المطبعة في أعقاب معرفة أوروبا بالورق عن طريق مسلمي صقلية والأندلس مباشرة، وجادل بلوم في أن اختراع غوتنبرج ما كان ليجدي نفعاً لو استخدمت آلته في الطباعة على الرَّقّ، فقد كانت تكلفة طباعة الكتاب على الرَّقّ تعادل تقريباً تكلفة نسخ الكتاب بخط اليد، وهكذا لولا صناعة الورق التي كان أهل أوروبا قد عرفوا سر صناعتها من المسلمين لما كان لاختراع جوتنبرج فائدة عملية تذكر، وربما استغرق الأوروبيون وقتاً طويلاً قبل أن يدركوا فوائد المطبعة.
* رحلة طويلة
ناقش بلوم حوامل الكتابة في بلاد ما بين النهرين ومصر والصين منذ فجر التاريخ حتى اخترع الورق، ثم ناقش اختراع الورق في الصين وانتقاله إلى كوريا واليابان وآسيا الوسطى، ثم معرفة المسلمين بالورق في نهاية المطاف، ثم استعرض رحلة الورق من الصين إلى آسيا الوسطى والتي استغرقت خمسة قرون من الزمان، ثم انتقال صناع الورق بعد ذلك عبر أوراسيا، حتى بلغت سواحل المحيط الأطلسي في المغرب والأندلس خلال قرنين من معرفة المسلمين بالكيفية التي كان الورق يصنع بها.
عرض بلوم للتحسينات التي أدخلها المسلمون على صناعة الورق، بعد أن وقفوا على سر صناعته من مسلمي آسيا الوسطى، كما ميز بين خصائص مختلف أنواع الورق الذي صنع على امتداد مساحات شاسعة من ديار الإسلام، بداية من إقليم آسيا الوسطى مرورا ببلاد فارس والعراق والشام ومصر والمغرب، وصولاً إلى الورق ذي الجودة العالية الذي صنع بالأندلس، وكانت ذخائر مكتبات أوروبا وأمريكا من الوثائق والمخطوطات الإسلامية ولا سيما أوراق «الجنيزة» وأرشيف «آراغون» خير معين للمؤلف في هذا الرصد الشامل.
كما أظهر بلوم أثر ذلك الاتصال الحضاري بين الصين وآسيا الوسطى، وبلاد فارس، خاصة في ما يتعلق بتطوير تقنيات صنع الورق، وناقش أثر الورق في انتقال الثقافة القائمة على الحفظ والرواية في العالم الإسلامي، إلى ثقافة مستندة إلى النص المدون، كما ناقش خصائص الكتابة بالعربية وأثر الورق في تطور الخط العربي، وأنار بتفصيلات جديدة ظهور الخط المتطور الذي تفرع عن الخط الكوفي الزاوي القديم.
* موقفان
قارن بلوم بين موقف العالم الإسلامي في القرن الثاني الهجري عندما قبل المسلمون الورق بحماسة وبلا تردد وبين موقفه في القرن التاسع عندما أظهر المسلمون التوجس والريبة من المطبعة التي اخترعها جوتنبرج، ثم عدد الآثار التي ترتبت على حماسة الأوروبيين للمطبعة بإزاء الرفض الذي قابلها المسلمون به، كما درس طرفاً من أسباب التفوق التقني لدى الأوروبيين في مقابل الجمود والركود اللذين باتت تتميز بهما التقني في العالم الإسلامي منذ أواخر العصر المملوكي ومعظم العصر العثماني.
وأكد بلوم أن العالم الإسلامي عرف الطباعة مبكراً، حيث كانت طريقة الطباعة بالقالب الخشبي معروفة لدى المسلمين إلا أن استخداماتها كانت محدودة، وتتمثل في نقش الأقمشة والمنسوجات وصنع التمائم الرخيصة وزخرفة غلافي الكتاب من الداخل خاصة.
تميز تناول بلوم التاريخ بكثير من التصحيحات للأفكار النمطية التي شابها التعصب ضد الحضارة الإسلامية في أوساط الاستشراق، فقد عزا بلوم الفضل للحضارة الإسلامية في قسم كبير من التقدم العلمي الذي أحرزه الإنسان في الحقب الأخيرة، ولم يقصر في إقامة الدليل تلو الآخر على أننا لا نزال نحيا في أجواء تلك الحقبة التي دشنها المسلمون عندما عرضوا قطاعاً واسعاً من المجتمع للكلمة المكتوبة فازدهر النشاط العقلي الذي انفجر في وجه أغلال من التعصب والخرافة والاستبداد، ومن ثم بدأت حقبة جديدة من الحضارة الإنسانية.
استلزم استعراض بلوم لتاريخ الورق وآثاره على صُعُد الحياة الثقافية وغيرها من أوجه الحياة في القرون الوسطى حتى اختراع المطبعة، الدمج بين عدة علوم وتخصصات بينية تطلبتها دراسة تاريخ الورق، فقد عرض بلوم جوانب من التاريخ الإسلامي مصحوبة بجوانب أخرى من تاريخ الكتاب الإسلامي المخطوط، مختلطة بلمحات أخرى من تاريخ التقنية ممتزجة بلمحات من تاريخ فنون العمارة الإسلامية في معين واحد، فأخرج لنا عملاً شاملاً.
على هذا النحو تبين المؤلف ملامح ثورة علمية كبرى نشأت في ديار الإسلام بفضل الورق، إلا أن ملامح تلك الثورة ضاعت في خضم الجلبة التي نجمت عن ظهور الطباعة، وسيادة الكتاب المطبوع على نظيره المخطوط في أوروبا ثم التطورات التي ترتبت على ظهور الطباعة لاحقاً.
ونسب بلوم الفضل للحضارة الإسلامية في ما تعلق بإدخال تقنيات صناعة الورق إلى أوروبا، فقد اخترع غوتنبرج المطبعة في أعقاب معرفة أوروبا بالورق عن طريق مسلمي صقلية والأندلس مباشرة، وجادل بلوم في أن اختراع غوتنبرج ما كان ليجدي نفعاً لو استخدمت آلته في الطباعة على الرَّقّ، فقد كانت تكلفة طباعة الكتاب على الرَّقّ تعادل تقريباً تكلفة نسخ الكتاب بخط اليد، وهكذا لولا صناعة الورق التي كان أهل أوروبا قد عرفوا سر صناعتها من المسلمين لما كان لاختراع جوتنبرج فائدة عملية تذكر، وربما استغرق الأوروبيون وقتاً طويلاً قبل أن يدركوا فوائد المطبعة.
* رحلة طويلة
ناقش بلوم حوامل الكتابة في بلاد ما بين النهرين ومصر والصين منذ فجر التاريخ حتى اخترع الورق، ثم ناقش اختراع الورق في الصين وانتقاله إلى كوريا واليابان وآسيا الوسطى، ثم معرفة المسلمين بالورق في نهاية المطاف، ثم استعرض رحلة الورق من الصين إلى آسيا الوسطى والتي استغرقت خمسة قرون من الزمان، ثم انتقال صناع الورق بعد ذلك عبر أوراسيا، حتى بلغت سواحل المحيط الأطلسي في المغرب والأندلس خلال قرنين من معرفة المسلمين بالكيفية التي كان الورق يصنع بها.
عرض بلوم للتحسينات التي أدخلها المسلمون على صناعة الورق، بعد أن وقفوا على سر صناعته من مسلمي آسيا الوسطى، كما ميز بين خصائص مختلف أنواع الورق الذي صنع على امتداد مساحات شاسعة من ديار الإسلام، بداية من إقليم آسيا الوسطى مرورا ببلاد فارس والعراق والشام ومصر والمغرب، وصولاً إلى الورق ذي الجودة العالية الذي صنع بالأندلس، وكانت ذخائر مكتبات أوروبا وأمريكا من الوثائق والمخطوطات الإسلامية ولا سيما أوراق «الجنيزة» وأرشيف «آراغون» خير معين للمؤلف في هذا الرصد الشامل.
كما أظهر بلوم أثر ذلك الاتصال الحضاري بين الصين وآسيا الوسطى، وبلاد فارس، خاصة في ما يتعلق بتطوير تقنيات صنع الورق، وناقش أثر الورق في انتقال الثقافة القائمة على الحفظ والرواية في العالم الإسلامي، إلى ثقافة مستندة إلى النص المدون، كما ناقش خصائص الكتابة بالعربية وأثر الورق في تطور الخط العربي، وأنار بتفصيلات جديدة ظهور الخط المتطور الذي تفرع عن الخط الكوفي الزاوي القديم.
* موقفان
قارن بلوم بين موقف العالم الإسلامي في القرن الثاني الهجري عندما قبل المسلمون الورق بحماسة وبلا تردد وبين موقفه في القرن التاسع عندما أظهر المسلمون التوجس والريبة من المطبعة التي اخترعها جوتنبرج، ثم عدد الآثار التي ترتبت على حماسة الأوروبيين للمطبعة بإزاء الرفض الذي قابلها المسلمون به، كما درس طرفاً من أسباب التفوق التقني لدى الأوروبيين في مقابل الجمود والركود اللذين باتت تتميز بهما التقني في العالم الإسلامي منذ أواخر العصر المملوكي ومعظم العصر العثماني.
وأكد بلوم أن العالم الإسلامي عرف الطباعة مبكراً، حيث كانت طريقة الطباعة بالقالب الخشبي معروفة لدى المسلمين إلا أن استخداماتها كانت محدودة، وتتمثل في نقش الأقمشة والمنسوجات وصنع التمائم الرخيصة وزخرفة غلافي الكتاب من الداخل خاصة.
تميز تناول بلوم التاريخ بكثير من التصحيحات للأفكار النمطية التي شابها التعصب ضد الحضارة الإسلامية في أوساط الاستشراق، فقد عزا بلوم الفضل للحضارة الإسلامية في قسم كبير من التقدم العلمي الذي أحرزه الإنسان في الحقب الأخيرة، ولم يقصر في إقامة الدليل تلو الآخر على أننا لا نزال نحيا في أجواء تلك الحقبة التي دشنها المسلمون عندما عرضوا قطاعاً واسعاً من المجتمع للكلمة المكتوبة فازدهر النشاط العقلي الذي انفجر في وجه أغلال من التعصب والخرافة والاستبداد، ومن ثم بدأت حقبة جديدة من الحضارة الإنسانية.
استلزم استعراض بلوم لتاريخ الورق وآثاره على صُعُد الحياة الثقافية وغيرها من أوجه الحياة في القرون الوسطى حتى اختراع المطبعة، الدمج بين عدة علوم وتخصصات بينية تطلبتها دراسة تاريخ الورق، فقد عرض بلوم جوانب من التاريخ الإسلامي مصحوبة بجوانب أخرى من تاريخ الكتاب الإسلامي المخطوط، مختلطة بلمحات أخرى من تاريخ التقنية ممتزجة بلمحات من تاريخ فنون العمارة الإسلامية في معين واحد، فأخرج لنا عملاً شاملاً.
