ما زال «المدمنون» يخالفون

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين

يقولون إن الإنسان يتعلم من تجاربه الشخصية، ومن تجارب الآخرين، ويخشى الوقوع في أي مصيبة أو كارثة فيتفادى الخطأ قدر المستطاع؛ هذا في العموم، لكن فعلياً، تحكي لنا الشوارع حكايات أخرى، تعكس مرايا البشر، فتقول في الواقع ما لا علاقة له بالشعارات، والوعود.. تقول الشوارع إن هناك من البشر نسبة كبيرة، لا يتعظون، ولا يتراجعون، ولا يأخذون حذرهم، كأنهم محصّنون، وما يحصل لغيرهم «لن» يحصل لهم.
كأنهم لا يقرأون، ولا تعنيهم التحذيرات والإحصاءات، ولا يخشون قوانين وكاميرات، وكل ما قد يتعرضون، ويعرّضون الآخرين له، فرغم كل التحذيرات والعقوبات المشددة، ما زالت نسب حوادث السير التي يسببها انشغال السائق بالهاتف النقال عالية جداً، ومازال الخطر يتنقل في الشوارع، في الليل وفي النهار، ليوقع أعداداً أكبر من الضحايا، والناس يستمرون في التجاهل، ويصرّون على قراءة الرسائل والرد عليها، وتصوير الفيديو، والتقاط الصور أثناء قيادة السيارة، كأن الشوارع خالية من المارّة والسيارات، خالية من أي خطر قد يسبب انشغالهم عنه في وقوع كارثة لا تحمد عقباها. 
ارجع بالبحث عن حوادث السير التي يكون سببها الانشغال باستخدام الهاتف النقال، ستجدنا لا نتقدم منذ سنوات، ما بين ٦٠ و٧٠ أو ٧٨٪؜ من الحوادث تكون بسبب استخدام السائق للموبايل أثناء القيادة، والحوادث لا تكون خفيفة وعابرة في الأغلب، بل منها القاتل، ومنها الإصابات الخطرة، لأننا كلنا بشر، وكلنا نحتاج إلى لتركيز بكل حواسنا أثناء القيادة، كي نحمي أنفسنا، ونحمي الآخرين من شرّ عواقب التهور في القيادة، أو الاستهتار، والانشغال.
لا بطولة في ما يفعله البعض، فالأمر لا يحتاج أكثر من غفلة كي يفقد المرء قدرته على السيطرة على السيارة، بلمح البصر قد يفاجأ بوجود سيارة متوقفة أمامه، أو عبور أحد المشاة، أو إشارة مرور.. ومع تركيز المرء في هاتفه، لا في سيارته والشارع، يصبح من الطبيعي أن تباغته المفاجأة فيفقد القدرة على التحكم في المقود، والسرعة، والفرامل.. تحوّل استخدام الهاتف من حاجة وضرورة تساعد الإنسان على التواصل مع الآخرين عند اللزوم، إلى إدمان يصعب على فئة من الناس التخلي عنه، يلازمهم كظلهم، يستخدمونه وينشغلون به أكثر بكثير من انشغالهم بأهل بيتهم، وعملهم، والمحيطين بهم؛ والكارثة أنهم لا يخشون ارتكاب الجرائم بحق أنفسهم، ولا بحق الآخرين في الشوارع، ورغم تطبيق القانون الذي ينص على غرامة ٨٠٠ درهم، وأربع نقاط سوداء لمن يستخدم هاتفه أثناء القيادة، مازال «المدمنون» يخالفون، ويغامرون، ويستهترون، ويتسببون بحوادث وكوارث، ويقلقون راحة الناس وأمانهم.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4suwvh4n

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"