استحقاقات الاستشراف الثقافي

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل حاولت الأوساط الثقافية العربية إحصاء الكتب التي صدرت في الغرب، متناولةً نهاية الحضارة الغربية؟ لا حاجة إلى الرجوع بعيداً، إلى الألماني أوسوالد شبنغلر في كتابه «تدهور الغرب»، فقد بات من الكلاسيكيات الفلسفية، ولا إلى البريطاني كولن ويلسن في «سقوط الحضارة»، الذي أجاد ربط انحدارالمدنية بتصاعد الضبابيّة في الفنون والآداب. تكفي المؤلفات التي ظهرت في العقد الأخير، منذ 2015. مثلاً، كتاب الفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفري: «انحدار.. حياة اليهودية المسيحية وموتها» (2017)، أو فاتحة صادرات هذا العام، كتاب «هزيمة الغرب» (11 يناير 2024) للمؤرخ وعالم الإناسة الفرنسي إيمانويل تود.

لا داعي إلى محاولة حصر المحاضرات والحوارات على الشبكة، في هذه المحاور، فهي كثيرة. الحديث عن الفلاسفة والمفكرين وخبراء السياسة والاستراتيجية وأعلام الإعلام. في المقابل نجد أشكالاً وشكولاً، وألواناً ترشح زوراً وتطفح بهتاناً، لكنهم من المشاهير. من بشائر مولد النظام العالمي الجديد ظاهرات لم يعرف لها التاريخ الحديث نظيراً. من حقك أن تستنكر الحديث عن ظاهرات، فأنت تفضل كلمة تجليات، فليكن لك ذلك. المهم هو أن تحرك رعود التحولات شعرة في مفرق المثقفين العرب، فيتساءلوا: ما الذي أصاب مفكري الغرب؟ كيف تنكّروا للأساطين الذين قامت على فلسفاتهم وآدابهم وفنونهم وعلومهم ومعارفهم الحضارة الغربية، التي يمكن تصويرها بتلك الحيّة التي التفّت على نفسها وابتلعت ذنَبَها، كأنما أحسّت بذنْبِها؟ غير أن حرّية الفكر والرأي تسمح للمعترض بالقول: إن فرنسا مثلاً حافظت دائماً على القمم في مقامات القامات، وهمم الهامات، فلا فرق بين شارل ديغول وساركوزي ومن تلاه. بل إن أوروبا الغربية أضحت أسرة واحدةً معطيةً قيادها للأخت الكبرى، الإمبراطورية، لتكون كلها في خبر كان وأخواتها. كل ما هنالك أن المقاليد انفلتت قليلاً فارتطمت المركبة بالجدار الروسي. الذنب ذنب بونابارت وهتلر، فلم يضع أيّ منهما الثلوج على رأس الخطط الاستراتيجية.

الآن، على مثقفينا أن يعكفوا على إعداد منظومة قيم بديلة لما توهموا طوال أكثر قرن أنه صروح ثقافية شامخة. عليهم أن يدركوا أن النظام العالمي الذي ينهض كالفينيق من رماد العلاقات الدولية الجائرة، يُوجب على العالم العربي تنمية فائقة، فالدرس الجدير بثقافة الفعل، هو ألاّ تنمية بغير فكر وقيم وقانون دولي عادل وكرامة إنسانية لكل الشعوب.

لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: عندما تأكل الحضارة قيمها، فذلك نذير بالانحدار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2ppv6r2d

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"