عادي
تسعى إلى لمّ شمل ديوان العرب

بيوت الشعر.. قبلة المبدعين

00:09 صباحا
قراءة 7 دقائق
عبدالله العويس ومحمد القصير ومجموعة من الشعراء في مهرجان المفرق السابع للشعر العربي

الشارقة: يوسف أبولوز

يتجدد مشروع الشارقة الثقافي من مرحلة إلى مرحلة، ومن عام إلى عام، سواء في إدارته أو في آليات عمله أو في المبادرات الجديدة التي تغذي هذا المشروع، وتجعل منه مشروع حاضر ومستقبل، يعتمد في سيرورته هذه على الثوابت الثقافية المستمدة من التراث والثقافة الشعبية وهويّة المكان الإماراتي وروحه ومفرداته..عرّف العمل الثقافي في الشارقة بالثقافة الإماراتية في الوطن العربي، وفي العالم بعد أن توجه قبل ذلك إلى الكاتب الإماراتي في مكانه وفي بلده، ونشير هنا بالضرورة إلى التعددية الثقافية في بنية هذا المشروع فهو يسير باتجاهات إبداعية بالدرجة الأولى: المسرح، الفنون «التشكيلية»، الكتاب وصناعته وتوزيعه، التراث، المعمار، الطفل وكل ما يتعلق بتكوينه الثقافي والمعرفي «الإصدارات الموجهة إليه، المسرح الموجه إليه» وغيرها من قنوات تخدم عقل هذا الكائن الصغير المستقبلي، الذي سيكبر، ويشارك، من ثم في دفع العمل الثقافي إلى آفاق أرحب وأجمل.

نعم، السمة التعددية.. التنوعية إماراتياً وعربياً هي الصورة الأكثر وضوحاً لمشروع الشارقة الثقافي، وبعد سنوات من التأسيس والاشتغال على الثقافة المحلية والعربية، أصبحنا نتابع حركة الثقافة الإماراتية في العالم بكل تنوع وتعددية هذه الثقافة، بكلمة ثانية.. المسرح الإماراتي أصبح مسرحاً عربياً عالمياً، هيئة الشارقة للكتاب تمثل الثقافة الإماراتية والعربية في العالم.. والشارقة دائماً ضيف شرف على معارض الكتب الكبرى في العالم، كما أن الكثير من بلدان العالم ترحب بها الشارقة ضيف شرف على معرض الشارقة الدولي للكتاب، ثم انتقل إلى تمثيل ثقافي آخر هو ترجمة الأدب الإماراتي إلى لغات حية في العالم: الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الإيطالية، الإسبانية، الروسية، الهندية.. وتوقــيع هـــذه الإصدارات في معارض الكتب الكبرى في العالم.

توجيه ورعاية

هذه في حد ذاتها تعددية ثقافية ماثلة دائماً في الفكر الذي ينهض عليه مشروع الشارقة الثقافي بتوجيه ومتابعة ورعاية من صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الباحث في التاريخ، والكاتب المسرحي، والمحقق التراثي في المخطوطات الأجنبية والعربية، والمؤلف الأدبي في الرواية التاريخية أيضاً، وبكلمة ثانية يشكل التراث الأدبي والتاريخي والبحثي «أكثر من 80 عنواناً» لصاحب السموّ حاكم الشارقة، ركناً قوياً أصيلاً في مشروع الشارقة الثقافي.

إن صاحب السموّ حاكم الشارقة، ارتفع بمشروعه الثقافي إلى العالمية انطلاقاً من المحلية والإماراتية والعربية.. هذا على مستوى شخصيته الكاتبة والمثقفة، لكن هناك مستوى آخر من الدعم المادي والمعنوي الدائمين من جانبه، أدى بالطبع إلى ديمومة مشروع الشارقة الثقافي، مرة ثانية من مرحلة إلى مرحلة، ومن عام إلى آخر.

علينا أن نتوقف دائماً أمام لغة صاحب السموّ حاكم الشارقة وفكره، حين نتحدث أو نكتب عن الثقافة ورهاننا عليها بوصفها نشاطاً حضارياً مدنياً له رجالاته وضمائره الحية في العالم، ويأتي سموّه، في طليعة هؤلاء الرجال الرموز والضمائر، فهو يرى أن «الثقافة وسيلة لتحقيق الغايات النبيلة في تهذيب النفس والرقيّ بالإنسان نحو الحضارة والتقدم ولنبذ ما في هذا العالم من شرور ومن مآس وحروب».

ثروة معرفية

الوثائق، والمخطوطات، والخرائط ثروة معرفية وتاريخية هي أيضاً مكون علمي بالغ الأهمية في مشروع الشارقة الثقافي ومكانها «دارة الدكتور سلطان القاسمي»، وبكلمة ثانية يتجلى هذا المشروع هنا باباً رحباً للباحثين والموثقين والتاريخيين الإماراتيين والعرب.. وحين قلت إن هذا التراث الوثائقي والمخطوط ثروة فقد اعتمدت على ما قاله سموّه في حوار تلفزيوني منشور في الجزء الثالث من أحاديث سموّه «صفحة 179»، وقد شرح يومها ما تحويه الدارة التي هي رافد عزيز من روافد مشروع الشارقة الثقافي «فهذه بين جنباتها ما يقارب نحو مليون ونصف المليون صفحة من الوثائق، ويوجد لديّ ما يصل إلى 4 ملايين ونصف مليون وثيقة أخرى أعمل عبرها الآن، وسأضيفها إن شاء الله في القريب العاجل إلى الدارة. كما تحتوي الدارة على مكتبة غنية بدراسات الخليج، يضاف إلى ذلك مركز لعرض الأفلام الوثائقية القديمة يصل عددها إلى 600 فيلم ومن بداية عام 1928، وهي نادرة لا توجد إلا في بعض المراكز بالمملكة المتحدة، وتضاف إلى ذلك مجموعة من الصور القديمة، وأقدم صورة للشارقة تعود لعام 1865».

بالطبع، سنلاحظ هنا أن هذه المعلومات التي أدلى بها سموّه كانت في عام 2013، ومن ثم، هناك ما قد أضيف إلى الدارة من كنوز وثائقية ومخطوطة وصور وخرائط.

يذكر دائماً أن الترجمة باتت اليوم جسر حوار وتواصل بين الآداب والثقافات والفنون. وفي مشروع الشارقة الثقافي يشار إلى هذا الجانب المعرفي بعناوين منقولة إلى العربية، وهنا نعود إلى رأي ورؤية صاحب السموّ حاكم الشارقة بهذا الخصوص.. الذي يقول في صفحة 209 (الجزء الرابع من أحاديث سموّه): «عندما نترجم من اللغات الأخرى إلى العربية، يجب أن نعرف ماذا نترجم، إذ يجب أن أعرف ما تحتاج إليه بلادي من علوم نافعة لنقوم بترجمتها إلى لغتنا العربية.. لا الانصراف إلى الترجمة بغض النظر عن ماذا نترجم».

حلقة مترابطة

مشروع الشارقة الثقافي حلقات متداخلة متصلة تكون في تلاقيها وتكاملها دائرة رحبة ترمز للعالم.. ومن هذه الحلقات مبادرة «بيوت الشعر» التي أطلقها صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي من الشارقة.

في يناير 2015 دعا سموّه إلى تأسيس بيوت للشعر على غرار بيت الشعر في الشارقة، وسموّه أراد من هذه المبادرة النبيلة أن تكون هذه البيوت ملتقى للشعراء الكبار والشباب في تلك البلدان.

في ذلك اليوم الذي لا ينسى عند الشعراء العرب التقى سموّه الشعراء والكتاب العرب المشاركين في الدورة 13 من «مهرجان الشارقة للشعر العربي»، وجاء اللقاء في دارة الدكتور سلطان بن محمد القاسمي للدراسات الخليجية.. يومها قال سموّه «اليوم أنا أقدم الشارقة حاضنةً للثقافة والتراث الثقافي فنحن أمة مهددة في كل الأقطار، والشارقة عملت على احتضان كثير من ثقافات الشعوب إلى أن يأتي زمن ويرجع كل شيء لأهله، فما نتلمّسه من جهود الشارقة في خدمة الثقافة ليس من أجلها فقط، فما هي إلا قرية صغيرة في عالم كبير، ولكننا عملنا على أن نكون الركن الذي يلجأ إليه الأدباء والمثقفون إذا ما شعروا بأنهم ملغيون من المجتمع، فليأتوا إلينا ليجدوا أنفسهم ولا نريد منهم أن يفعلوا الثقافة لنا فحسب بل عليهم أن يفعلوها للوطن العربي كله وعبرنا».

عيد الشعراء

كان ذلك اليوم عيداً للشعراء العرب وهم يشهدون إطلاق مبادرة هي الأولى من نوعها في العالم وعلى يد حاكم مثقف يحمل اللغة العربية في وجدانه كله.. قال سموّه في يوم ديوان العرب «وسنعمل جميعاً على تأسيس بيوت للشعر في بلدان كثيرة تكون ملتجأ للشعراء لنشر إبداعهم والتواصل واللقاء في ما بينهم، وأن تكون منبراً لإيصال أصواتهم ولن نكتفي بأن يكون في كل دولة بيت، بل سنسعى ليكون في كل منطقة، بل في كل قرية بيت للشعر، وسنجعل من تلك البيوت ملتقى لمختلف أجيال الشعراء، كباراً وشباباً وسيكون هناك دعم لنشر دواوينهم».

قرأ في بيوت الشعر العربية على مدى أكثر من سبع سنوات (منذ 2015 وإلى اليوم) المئات من الشعراء العرب في بيوتهم في الأردن، وفي مصر، وفي القيروان، وفي نواكشوط، وفي المغرب وفي السودان، والملاحظ هنا أن شعراء بعض البلدان العربية التي لم تنشأ فيها بيوت الشعر، يقرأون شعرهم في بيوت الشعر العربية الأخرى، وعلى سبيل المثال قرأ شعراء عرب من الجزائر وليبيا في بيت الشعر في القيروان، في إطار وحدة شعرية عربية عنوانها التنوع والإبداع الحر.

أرادت الشارقة لمّ شمل ديوان العرب في بيوت ترمز إلى وحدة القصيدة العربية، وإعلاء شأن اللغة العربية التي تدخل اليوم عصرها التكريمي العالي في الشارقة عبر المعجم التاريخي الأكبر والأكثر شمولية بلاغية في تاريخ لغة الضاد، وسوف تكون بيوت الشعر عضيداً للمعجم.
رؤية

قال صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عن الشارقة إنها قرية صغيرة في عالم كبير، وقال للشعراء العرب تعالوا لتجدوا أنفسكم، وتلك الرؤية تحققت تماماً لمن يقرأ أرشيف بيوت الشعر العربية التي تقرب أعمارها الآن من ثمانية أعوام، والشعراء العرب وجدوا أنفسهم فعلاً في الشارقة فقد ظهرت في المشروع الثقافي الأكثر تنوعاً وتجدداً في الوطن العربي «جائزة نقد الشعر»، وظهرت في الشارقة جائزة الإصدار العربي الأول للشعر، وذهبت جائزة التكريم الثقافي إلى مستحقيها في أوطانهم وبين أهلهم، وأوجدت بيوت الشعر مهرجانات لديوان العرب في الأقطار العربية هي نتاج تنسيق إداري وفني بين دائرة الثقافة في الشارقة، ووزارات الثقافة العربية.

كل هذه المنظومة من الفعاليات والتكريمات والمهرجانات تحمل عنواناً واحداً هو: الشعر العربي، أما العنوان الأوسع دلالة ثقافية فهو: اللغة العربية، التي تحيا، وتتجدد، وتجد كبرياءها تماماً في هذه الصيغ العظيمة ذات العمل المؤسسي والمشاريعي المنتظم: مشروع الشارقة الثقافي ودوائره المتكاملة:.. «بيوت الشعر» ودائماً باتجاه بوصلة الشارقة المؤشرة إلى المستقبل الأجمل، والأكثر احتراماً للإنسان وعقله وقدرته الإبداعية على إنتاج الآداب والفنون الرفيعة شكلاً ومضموناً ومعنى.

برنامج

مشروع الشارقة الثقافي روح صاحب السموّ حاكم الشارقة، وهو البرنامج الخاص به كما قال سموّه «فأنا لدي مشروعي الذي أعمل عليه منذ عام 1982، وأنا ماض فيه، فمن الملاحظ على إمارة الشارقة أنه لديها كل يوم إضافة إلى المشهد الثقافي، وأنا أتابع بنفسي أدق التفاصيل لهذه الأحداث لأن هذا البرنامج خاص بي»، (صفحة 190 -الجزء الخامس).

المعجم التاريخي للغة العربية، المشروع الأكبر في ثقافتنا، المشروع الذي حشدت له الشارقة أعلاماً عرباً من اللغويين والمعجميين والبلاغيين المحترمين، ومن الإضافات الكبيرة كذلك، بيت الحكمة في الشارقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2h9yeb3s

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"