ما رأيك في جولة نتطارح فيها موضوع غياب التصوّف في الحياة العربية عموماً، والأوساط الثقافية والفنية تخصيصاً؟ الطرح مناسب، فاليوم جمعة. ما يحزّ في النفس المشهد المتمثل في مفارقة اختفاء العرفان الرفيع من العالم العربي، فكراً وأدباً، في حين تتعانق قمم العلوم، في الفيزياء الفلكية، فيزياء الكمّ، الفيزياء الحيوية، الكيمياء الحيوية، علم الأحياء وغيرها، مع التصوف لدى علماء الغرب. هل من محض المصادفات أن نظرية الكل في الفيزياء، التي تصبو إلى نظريّة واحدة للقوى الأربع، تسمّى نظرية التوحيد؟ هل ثمة لقاء فوق أن يلتقي الإيمان التوحيدي بقمة العلوم الكونية، الرباعي الذي يجمع الجاذبية، الكهراطيسية، القوة النووية القوية والقوة النووية الضعيفة؟
أيام كانت الحضارة الإسلامية في أزهى عصورها، عرفت أعلاماً من الصوفيين بالعشرات، لهم مدارس عرفانية ومذاهب ومشارب، أثرت الثقافة العربية الإسلامية منذ أواخر القرن الثاني الهجري، ثم أقلعت السماء وغِيض الماء، بينما عصرنا، عصر تجليات علوم الكون، الذي يتحدث عن الانفجار العظيم الذي حدث قبل 13.8 مليار سنة، قطعناها في الغيب قبل خلقنا، على صهوات الهيدروجين والهليوم، ثم انبثاق الذرّات إلى تشكل النجوم والمجرات، إلى أن أشرقت شمسنا فكانت من بين بناتها أرضنا، التي نشأت الكائنات الأولى في بحارها ومحيطاتها، وظلت فيها أكثر من ثلاثة مليارات عام، إلى أن ظهرت على اليابسة الطحالب البرية التي اجتاحت الكوكب، وكانت طلائع النبات وانتشار اليخضور والأوكسجين. في تلك العصور الأولى حدثت أمور عجيبة، انخفض منسوب المياه مراراً لا تحصى، فهلكت مخلوقات بحرية شتى، استطاع عدد منها مغالبة الظروف، صار قادراً على التنفس خارج الماء، عبر الخياشيم في المياه الضحلة، ثم عبر الرئة التي تشكلت تدريجاً. على داروين تصحيح معلوماته بأن أصل الثدييات العليا الأسماك؟ هو لم يقل إن أباه كان فوق الشجرة.
هكذا قادنا التصوف إلى علوم الكون والأرض. فتألق التصوف في ماضينا مظهر حضاري. فهل فكّرنا في الأعجوبة الملغّزة التي جرّدت العقل العربي، في متلازمات، من الانجذاب إلى الرياضيات والفيزياء والبحث العلمي والفلسفة والتصوف والموسيقى العالمة الجادة؟ يقول ابن حزم: «ترك العجب من العجب»!
لزوم ما يلزم: النتيجة العجبيّة: أبدع الصوفي الكبير محيي الدين بن عربي نظرية الإنسان الكامل، في القرن السابع الهجري. أليس على العربي أن يكون له شيء من ابن عربي؟
