أن تنجح في عمل فني وتصل إلى قلوب الناس ويصبح اسمك على كل لسان فهو إنجاز، لكن أن تصبح أنت والعمل «حالة خاصة» بكل ما فيها وتفتح أعين الجمهور على أشخاص موجودين في كل المجتمعات ويحتك بهم الناس ولا يعرفون غالباً كيف يتعاملون معهم أو ما هي قدراتهم لأنهم مصابون بالتوحد، وفي نفس الوقت تنبش في دفاتر وذكريات الماضي لتعيد إحياء أغاني وألحان فرقة «المصريين» فيتعرف إليها كل الجمهور العربي والأجيال الجديدة ويحبونها ويرددون أغنياتها.. فهنا تكون قد تجاوزت حدود الدراما العادية، وهنا تكون قد قدمت جوهر الفن والهدف منه ومن وجوده على الشاشة، في قالب مكتمل اسمه «حالة خاصة».
ممتع أن تجلس بانتظار مشاهدة حلقة من عمل يحمل صفة أو تسمية مسلسل بينما هو في الحقيقة نافذة تأخذنا من مقاعدنا لندخل في هذا القالب الإنساني ونعيش حالة استثنائية ننسى معها من نحن؛ ننشغل أثناء المشاهدة وبعدها بقصة نديم أحمد أبو سريع المصاب بالتوحد والذي يريد تنفيذ وصية والدته حرفياً، في أن يصبح محامياً مشهوراً، يثبت لعمّه الذي يرفض الاعتراف به بأنه محام ناجح، ومن ثم يجد فتاة يعيش معها قصة حب؛ ربما لا يكمن الإبهار في القصة بمجملها، لكنه موجود بالتأكيد في كل التفاصيل، من نص كتبه مهاب طارق إلى إتقان في الإخراج لعبد العزيز النجار وفكرة البحث عن فرقة «المصريين» لإعادة تسليط الضوء عليها وإحياء موسيقاها وأغانيها مجدداً وتوظيفها بشكل صحيح لتؤثر في وجدان الجمهور ومشاعره، فهو ذكاء يضاف للمؤلف والمخرج، ولا يمكن للنجاح أن يكتمل لولا وجود من يجيد استقبال واستيعاب الحالة بمجملها ليجسدها على الشاشة كما تستحق أن تكون وكما تستحق قضيتها أن تصل إلينا.
وهو ما فعله فريق الممثلين وعلى رأسهم طه دسوقي. طه دسوقي أصبح اسمه المحبب لدى المشاهدين (وما أكثرهم) نديم، رغم نجاحه في أعمال سابقة مثل مسلسل «موضوع عائلي» وتميزه في الأدوار الكوميدية، لكن بتجسيده لشخصية الشاب نديم وحالة التوحد بكل دقة شعرنا وكأن الشخصية هي يد صائغ أعادت تشكيل قطعة ذهب؛ أبكانا قبل أن يبكي، خفنا عليه فخاطبناه وحذرناه من الوقوع في أي مكيدة وكأنه سيسمعنا ويستجيب، لا ترى في عينيه ونظراته وخجله وقلقه وحركاته البدنية سوى رسائل صدق وبراءة تجبرك على تقديرها والتعلق بها.
نبيل علي ماهر بشخصية جميل صاحب المكتبة والصديق الوحيد لنديم، هو الأكثر تأثيراً فينا بعد طه دسوقي، الممثل المناسب في الدور المناسب، بملامحه وهدوئه وبساطته وحكمته.. غادة عادل ممتازة ومميزة بأحد أجمل أدوارها، المحامية المشهورة أمينة النجار القوية في عملها، الضعيفة في أمومتها بسبب خوفها على ابنها الوحيد والذي يشبه نديم في التوحد، والزوجة المخدوعة دائماً والتي تتغلب على كل مخاوفها بفضل تجربتها مع نديم. «حالة خاصة» سيبقى علامة مميزة ونموذجاً للإبداع الفني.
