حوار يخترق الحصار

00:40 صباحا
قراءة 3 دقائق
2

أثار الحوار الذي أجراه المذيع الأمريكي تاكر كارلسون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الكثير من الغضب في العواصم ووسائل الإعلام الغربية، ليس من مضمون الحوار والمواقف التي حددها الرئيس الروسي من الحرب الأوكرانية، ولا من العلاقة مع الولايات المتحدة وأوروبا، ولا من إصراره على إقامة نظام دولي جديد، إنما لأن المذيع الأمريكي «المغضوب عليه» و«المتمرد» اخترق «المحرمات» الغربية والحصار الإعلامي المفروض على روسيا، وذهب إلى الكرملين لمحاورة بوتين والخروج بحوار أثار اهتماماً عالمياً على نحو غير مسبوق، حيث تجاوز عدد مشاهدات المقابلة عشرات الملايين على موقع «إكس» و«يوتيوب»، وهذا الأمر هو بمثابة جريمة بالنسبة للدول الغربية، حيث لم تُجر أي وسيلة إعلامية غربية حواراً مع الرئيس الروسي منذ بدء الحرب الأوكرانية.

البيت الأبيض اعتبر أن المقابلة «غير ضرورية لكي يدرك الشعب الأمريكي وحشية الرئيس الروسي» على حد تعبيره، ووصفت شبكة «إيه بي سي» الأمريكية اللقاء بأنه «ترويج للرواية الروسية بشأن الحرب مع أوكرانيا»، وقالت مجلة «بوليتيكو» إن كارلسون «فشل في استخلاص أي أفكار مثيرة عن أهداف الرئيس الروسي الحقيقية من الحرب»، وإن الرسالة الرئيسية التي أراد توصيلها للأمريكيين هي أنه «لا جدوى من تقديم المساعدة لأوكرانيا». في حين قال المستشار الألماني أولوف شولتس إن المقابلة «سخيفة جداً ومثيرة للضحك»، فيما ووجه بانتقادات سلبية إزاء هذا الموقف في تعليقات الألمان الذين طالبوه بأن «يتوقف عن كونه دمية تحركها الولايات المتحدة بالخيوط». أما رئيس الحكومة البريطانية الأسبق بوريس جونسون فوصف كارلسون ب«الخائن»، في حين قال بريت براون المستشار السابق للبيت الأبيض في عهد الرئيس أوباما إن بوتين «حقق فوزاً دعائياً واضحاً لموسكو».

هذا الحنق والغضب الغربي واجهته موسكو ببرودة أعصاب واعتبرت أنها حققت انتصاراً إعلامياً كبيراً، إذ قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا «انظروا، لقد أصابتهم حالة من الهستيريا.. جميعهم يصرخون بصوت واحد وبشيء واحد فقط: لا تنظروا ولا تسمحوا للصحفي الأمريكي بإجراء المقابلة».

في المقابلة التي استمر 120 دقيقة لم يقل الرئيس بوتين جديداً سوى أنه حدد مواقف بلاده بشكل أكثر وضوحاً وصراحةً في مختلف القضايا الخلافية مع الدول الغربية، داعياً إلى مفاوضات لإنهاء الحرب و«التوصل إلى اتفاق عاجلاً أو آجلاً» و«لا نية لدينا لمهاجمة بولندا أو لاتفيا» و«هزيمة روسيا مستحيلة». لكن ما أثار هذه الزوبعة من الغضب والقلق أنه تمكن من توصيل مواقف بلاده إلى الرأي العام الغربي الذي يتعرض هو الآخر لحصار إعلامي وتعتيم على حقيقة الموقف الروسي، وإلى غسل دماغ ممنهج بهدف «شيطنة» الكرملين، حيث لا يتمكن من الوقوف إلا على ما تبثه آلة الإعلام الغربية.

كارلسون أشار إلى ذلك بقوله إنه يقابل بوتين «لأن هذا واجبنا، نحن نعمل في مجال الصحافة، وواجبنا هو إطلاع الناس، في حين أن وسائل الإعلام الغربية قامت بالعديد من المقابلات مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي، ولم يقم صحفي غربي واحد بمقابلة رئيس البلد الآخر المتورط في هذا الصراع». أضاف «إن معظم الأمريكيين ليس لديهم أي فكرة عن سبب غزو بوتين لأوكرانيا أو ما هي أهدافه الآن.. لم يسمعوا صوته أبداً.. هذا خطأ».

.. لقد نجح بوتين في حربه الإعلامية أيضاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/26bdu7s5

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"