نكبة أطفال غزة

00:42 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

الحصيلة الثقيلة لأعداد الضحايا الفلسطينيين جرّاء الحرب الإسرائيلية على غزة، لا يستوعبها حتى الخيال، فقد قضى أكثر من 29 ألف شخص، وهناك أكثر من عشرة آلاف مفقود، والمصابون نحو 70 ألفاً، فضلاً عن الدمار الشامل الذي طال البنى التحتية، والمربّعات السكنية، والمستشفيات، والمدارس، وكلها مشاهد تشكّل مجتمعة، كارثة إنسانية فوق الوصف والتصور.

الصور الآتية من غزة مؤلمة جداً، أما أكثرها إيلاماً فمشاهد الأطفال الضحايا، والمشوهين، والمشرّدين ممن فقدوا العائل، والسند. وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة إلى أن نحو 17 ألف طفل باتوا من دون أقارب، أو انفصلوا عن ذويهم. وبعد مرور شهر واحد على الهجوم الإسرائيلي، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، آنذاك، إن «غزة أصبحت مقبرة للأطفال»، وبعد أكثر من أربعة أشهر، بات الوضع أسوأ من مقبرة للأحياء والأموات، فهناك جيل كامل من الأطفال جرى تدميره، والقضاء على مستقبله.

ووفق الإحصاءات فإن هناك 600 ألف طفل نازح في رفح، وحدها، وهناك نصف مليون آخرون، على الأقل، بحاجة إلى مساعدة نفسية واجتماعية، فهذا جيل كامل فقد معنى الحياة، والثقة بالعالم من حوله، ولم تعد لديه رغبة في التواصل مع أحد، فقد قتلت الصدمات فيه كل نبض بالأمل، وربما فات أوان التدارك، فما شهده أطفال غزة غير معروف، وغير مسبوق في التاريخ الحديث، وعندما تنتهي هذه الحرب سينكشف كل شيء، وستعرف الدنيا أيّ جريمة قد وقعت.

في عام 2015، وفي موجة اللجوء من سوريا هرباً من الحرب، ومن جرائم تنظيم «داعش» الإرهابي، هزت صورة الطفل إيلان كردي، وهو منكبّ على بطنه بلا روح على شاطئ مدينة بودروم التركية، تحولت تلك الصورة إلى رمز لمأساة إنسانية كسبت تعاطفاً، وتضامناً عالمياً، قلّ نظيره، لأنها تعود لطفل لا ذنب له، ولا وعي بما يجري. أما في غزة، فهناك آلاف من الصور مثل إيلان، ولكن التعاطف لا يتجاوز البيانات، والخطابات المشبّعة بفنون الطباق والجناس، ولم يتجرأ المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات رادعة ضد المعتدي الإسرائيلي، على الأقل من أجل مئات آلاف الأطفال الذين تأذوا بوحشية قلّ نظيرها، وأصبحوا كتلة من الصدمات والمشاعر المكلومة، كأنهم يعيشون في عالم لا بشر فيه، ولا ضمير.

قبل أن تنتهي هذه الحرب المفتوحة، بدأ الحديث مبكراً عن خطط إعادة إعمار قطاع غزة، في كل ما يتصل بالمرافق السكنية، والطرقات، وشبكات الماء والكهرباء، وربما يكون ذلك بسيطاً رغم الدمار الهائل، ولكن إعادة الحياة إلى الناس، خصوصاً الأطفال، ستكون التحدي الأكبر. فهناك جيل غزّاوي أخرجته آلة الحرب الإسرائيلية من دائرة الوجود، وأوقعته في جحيم الغارات، والقذائف، والمجاعة، والأمراض، والأوبئة، والبرد واليتم، والطفل لا يَنسى، إن كتبت له الحياة، ولن يغفر لمن دمّر طفولته، وأحرق كل جميل فيها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yf8pwx3r

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"