عادي

عرب يحلمون بالثراء في روايات جورجي أمادو

00:10 صباحا
قراءة 4 دقائق
نساء البن

القاهرة: الخليج

تحت عنوان «تقديم شيء من البراءة» يكتب خوسيه ساراماغو مقدمة لرواية الكاتب البرازيلي جورجي أمادو «نساء البن»، الصادرة عن دار الساقي بترجمة مالك سليمان، ويستهل مقدمته قائلاً إنه لسنوات عدة، سعى أمادو إلى أن يكون صوت البرازيل وشعورها وفرحتها، وقد نجح في ذلك، فالقليل من الكتاب ينجحون، كما نجح أمادو، في أن يصيروا مرآة وصورة شعب بأكمله، إذ تعرّف الكثير من القراء الأجانب إلى البرازيل بقراءتهم كتب أمادو.

تصيب الدهشة كثيرين من هؤلاء، لدى اكتشافهم في كتب أمادو تلك الملامح الشفافة، التي تدلل على التنوع العرقي والثقافي المعقد الذي يميز المجتمع البرازيلي، فقد كانت تلك الصورة العامة والنمطية للبرازيل، المختزلة في البيض والسود والخلاسيين والهنود، تتعرض لتقويم متسارع وغير متكافئ، نتيجة تلك الديناميات التنموية في قطاعات البلد المتنوعة وأنشطتها الاجتماعية، كما لاقت شجباً رزيناً وممتعاً في أعمال أمادو.

فيما يشبه المراجعة يقول ساراماغو: «لم نكن غافلين عن الهجرة البرتغالية التاريخية، ولا عن الهجرتين الألمانية والإيطالية، اللتين حصلتا على مستوى مختلف، وفي فترات مختلفة، لكن أمادو هو الذي جعلنا نلمس مقدار جهلنا بها، فالمروحة الإثنية التي لطّفت البرازيل كانت أكثر غنى وتنوعاً من التصورات الأوروبية، كان ذلك الطيف يشتمل على الأعداد الضخمة من الأتراك والسوريين واللبنانيين الآخرين الذين غادروا بلدانهم منذ القرن التاسع عشر، وخلال العشرين، وصولاً إلى يومنا، واستسلموا، روحاً وجسداً، لمغريات الفردوس البرازيلي ومخاطره، إضافة إلى احتمال أن يفتح لهم أمادو أبواب كتبه على مصاريعها».

الصورة

*رحلة

يقدم أمادو في هذا الكتاب «نساء البن» حكاية رجلين عربيين، هما رضوان مراد وجميل بشارة، اللذان يقرران الهجرة إلى أمريكا، سعياً خلف الثروة، لكن سرعان ما تتفرع القصة التي تشي بالترابط إلى قصص أخرى، تدور حول عشرات الشخصيات الأخرى من الرجال العنيفين، إلى النساء المتعطشات إلى الحياة العائلية الهانئة، وذلك كله في مقاطعة «إيتابونا» في «باهيا»، مسقط رأس أمادو، لنجد أنفسنا في عالم القتلة المأجورين، ومزارع الكاكاو، التي كانت مناجم ذهب فيما مضى، والعراك بالسكاكين، والضباط الذين يتمتعون بسلطات خارجة عن القانون، لا يمكن لأحد أن يفهم مصدرها، كما أن هؤلاء الأشخاص مهووسون بتكريس الأموال والحفلات الماجنة.

أشخاص هاجسهم النساء والحب في بلاد يتحارب رجالها ويتقاتلون، لكنها تفتح لهم جميعاً، أبواب الطموح والحلم، جميل بشارة الحالم بالثروة والحب، رضوان مراد الفيلسوف الغاوي والمتحدث اللبق، إبراهيم جعفر الأرمل الحزين المتصابي، ليس من بينهم تركي حقيقي واحد، لكن أهل البلد دأبوا على تسمية المهاجرين من أراضي السلطنة العثمانية بالأتراك.

يقول ساراماغو: «مع ذلك إن شيئاً من البراءة (التي تقلق القارئ) يرشح من هذه القصة المضطربة المسكونة بالأشرار، شيئاً يتخلق طبيعياً كالريح التي تهب، أو الماء الذي يجري، عفوياً كالعشب، الذي يطلع بعد عاصفة مطرية، إن «نساء البن» التي تشكل أعجوبة من أعاجيب الفن السردي، رغم إيجازها المنهجي وبساطتها الظاهرة، جديرة بمكان يليق بها بين الروايات العظيمة، يقال إن في مقدورك تمييز العملاق من إصبعه، ها هي إذن إصبع العملاق، إصبع جورجي أمادو».

يمهد أمادو لروايته بما حدث في مايو/ أيار 1991 عندما تلقى اتصالاً هاتفياً من روما، كان مدير إحدى المؤسسات يقترح عليه المشاركة في مشروع يجري التحضير له، كان أحد المسؤولين الإيطاليين النافذين قد قرر إحياء الذكرى المئوية الخامسة لاكتشاف أمريكا، بنشر كتاب مكون من ثلاث قصص لكتّاب من القارة الأمريكية: واحدة بالإنجليزية للأمريكي نورمان ميلر، وأخرى بالإسبانية للمكسيكي كارلوس فوينتس، والثالثة بالبرتغالية لأمادو.

اقتضى المشروع نشر الكتاب بأربع لغات، وتوزيع 300 ألف نسخة مجانية لجميع المسافرين على مختلف الرحلات الجوية بين إيطاليا والأمريكيتين في إبريل/ نيسان سنة 1992، وبدأت الفكرة تهيمن عليه.

لم يتواصل الإيطاليون مع أمادو فقال لزوجته «زيليا»: لقد اختفى رجال المافيا، هذا أفضل، فالآن يمكنني استئناف العمل بهدوء على «البحار العائد»، لكنهم عاودوا الاتصال به ووافقوا على كل طلباته، وكتب تلك الرواية القصيرة، وكان من المتوقع ظهور نسخ القصص الثلاث في مجلد واحد، لكنها لم تطبع، إذ لم تشكل جزءاً من احتفاليات المئوية الخامسة، التي تحولت، كما كان متوقعاً، إلى نقاش حاد يتمحور حول أسئلة من قبيل: ملحمة أم إبادة جماعية؟ اكتشاف أم غزو؟

ضمن ملاحق الكتاب يأتي ما كتبته زيليا زوجة أمادو، فعندما كان يكتب أحد المقاطع من رواية «المواجهة» في البرتغال عن زواج فضول عبد الله أحد أبطال الرواية «سحرني المقطع، كان يتضمن لحظات تشي بسخرية رائعة، لكنه كان مؤثراً في الوقت نفسه، وفي أحد الأيام رأيت كومة كبيرة من الورق المطبوع في سلة المهملات، وعندما تفحصتها اكتشفت أنه الفصل الذي يحكي عن حفلة الزواج».

قال لها إن هذا الفصل طويل جداً، وأنه يكاد يكون رواية أخرى، داخل الرواية الأولى، وأن أفضل مكان له سلة المهملات، لكنها وضعت النسخة الأصلية في مغلف، وخبأته، وبعد ذلك بسنوات طلب منها أن تعطيه الفصل الذي كان يعرف أنها احتفظت به، واستخدمه في كتابة هذه الرواية.

*مراجعة ذاتية

يشير أمادو إلى أنه: «إذا لاحظ قارئ هذه الرواية القصيرة تشابهاً بين العربي جميل بشارة، الذي يظهر في هذه القصة وفضول عبد الله الذي يظهر في رواية سابقة، أو بين رضوان مراد وفؤاد كرم، فهذا نوع من المصادفة»، وكنوع من السخرية يقول: «هذه التقاطعات دليل على أنني روائي محدود يتكئ على التكرار».

يقول: «أرجو أن يستمد القراء بعض المتعة من الأحداث التي تقود إلى مراسم زواج آدما التي تمت في مدينة إيتابونا مع بداية نشوء ثقافة الكاكاو في بدايات القرن، عندما اكتشف الأتراك أمريكا أخيراً، وهبطوا في البرازيل وأصبحوا برازيليين حقيقيين».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mws2jtcy

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"