نسبية الصدقية في الآداب والفنون

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل إذا أتت التيّارات الأدبية والفنية بطفرات لها ألعاب نارية، كان علينا التسليم بأنها غيّرت مجرى تاريخ الإبداع؟ على العقلاء من النقاد والمثقفين، أن يكونوا على حذر حين يواجهون موجةً جارفةً في الأوساط الثقافية. لهم ألف عبرة في ما يحدث على المسارح السياسية، حين تزلزل الأرض زلزالها مدمّرةً بلداناً تُمسي أثراً بعد عين، ثم يقال بسخرية ساحقة: «أخطأنا التقدير».

في الآداب والفنون، لا توجد خسائر في الأرواح والممتلكات. لكن الأضرار المعنوية قد تكون باهظةً جيلاً وربما أكثر. لهذا على النقاد أن تكون لهم استقلاليةُ رصانةٍ وفحص وتمحيص، إزاء الطفرات التي يفجّرها الأدباء والفنانون كل بضعة عقود. شيء مؤسف ومؤلم، أن نرى النقاد في العالم العربي قد تواروا عن الساحة الثقافية، كأنما ابتلعتهم الأرض. هم موجودون، ولكن على استحياء في الكواليس. يقول القلم عن هذه المشاهد: «حبل انتحال الإبداع قصير». حين تجدّ المقارنة الجادّة، لا يجرؤ حتى غير العارف بموازين القيم الثقافية، على الموازنة بين ميراث الأدب الكلاسيكي العالمي ببحار روائعه، وزبد التيارات النافرة كالدادية والسوريالية والقصيدة البصرية، وما انتهت إليه الحداثة وما بعد الحداثة.

أغلب الظن أن النقاد ملّوا اللهاث وراء السراب. أدركوا أن البالونات المنفوخة لا يمكن أن تكون مناجم للمعادن النفيسة، ولا مغاصات لفرائد الدرر. هنا، على النقاد أن يدركوا نسبية الصدقية في الآداب والفنون. نأخذ باقةً من الأمثلة: لو شُكّلت لجنة من كبار أدباء خمسين لغةً، وكُلّفت باختيار قمم روائع الأدب العالمي، أو ما يستحق أن يكون عالميّاً، في تلك اللغات، فهل تظن أن رحابة أذهانهم وأذواقهم ستتسع للتجارب الحداثوية؟ هل تجرؤ المناهج الواعية على اقحام النماذج، التي تراجع عنها ممارسوها، وانفضّ من حولها النقاد الذين كانوا يختلقون لها الشطحات التنظيرية، ووضعها في مجرى المقرر الدراسي؟ لماذا؟ لأن النظريات التي يفترض فيها أن تكون سنداً للعمود الفقري لتلك الأعمال، هي نفسها في حاجة إلى سند: «جئنا به يشفعُ في حاجةٍ.. فصار محتاجاً إلى شافعِ». لو طُلب منك انتقاء أروع مئة عمل في الموسيقى العربية، هل ستختار من بينها عشرين من «الهشّك بشّك» جبراً لخواطر حريّة الإبداع؟

لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: صدقية الآداب والفنون فيها لمسة اقتصادية، هي الفارق بين السعر والقيمة. القيمة تقوم على القيم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"