عادي

«الخصائص»..أول كتاب مفصل في النحو

23:20 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ
الأديب أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي، (322 - 392 ه / 000 - 1002 م) عالم من أهم أعلام الثقافة العربية، برع في اللغة، وعلم الأصوات والتصريف والنحو، وشاعر مُجيد وكاتب عظيم، تتجلّى عبقريته في مصنّفاته التي تَشِي بقدرته على دقّة الاستقصاء، وعمق التحليل، ووجاهة الاستنباط، وكان المتنبي يقول عنه: «ابن جني أعرف بشعري مني».

ينحدر ابن جِني من أب رومي قادِم من اليونان، وبعد ولادته في الموصل نشأ فيها وتعلم النحو والأدب وعلوم اللغة العربية على علمائها، فكان يأخذ عنهم مشافهة، ويتجنّب الأخذ من الكتب والصحف، كما كان يُخالط الأعراب المُحافظين على أصالة لغتهم، وكثيراً ما يروي عنهم في مؤلفاته.تميّز في تحصيله العلمي، ليشتغل بتدريس اللغة العربية في مساجد هذه المدينة العريقة وهو في ريعان شبابه، ثم غادر ابن جنّي الموصل مع أستاذه أبو فارس، فدخل بغداد وأخذ عن علمائها، ثُم انتقل إلى الشام، وتواصل مع الحمدانيين، فتوثّقت صلته بسيف الدولة في حلب، وبدأت صداقته مع المتنبي هناك، ودخل مدينة واسط، ودرّس فيها اللغة والنحو، واستقر بعد ترحاله الطويل في البيت البويهي شرقي بغداد، ومن هناك عمل مع عضد الدولة، ومن بعده صمصام الدولة، ومن بعده شرف الدولة، ثُم بهاء الدولة الذي توفي فترة حكمه.

ومن الشيوخ الذين درس عليهم ابن جني: أحمد بن محمد الموصلي الأخفش، وأبو علي الفارسي، وأبو الفرج علي بن حسن الأصفهاني، كما تتلمذ عليه العديد من العلماء والأدباء، مثل: عمر بن ثابت الثمانيني، والشريف الرضي، وعلي بن عمر القزويني، وألف الكثير من الكتب، منها: «الخصائص»، و«شرح ديوان المتنبي»، و«المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإفصاح عنها»، و«سر صناعة الإعراب»، و«اللمع في العربية».

كان المتنبي يحترمه ويقول فيه: «هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس»، وكان إذا سئل عن شيء من دقائق النحو والتصريف في شعره يقول: «اسألوا صاحبنا أبا الفتح»، فهو أول من قام بشرح ديوان المتنبي، وكان يُثني دوماً على المتنبي، ويصفه ب «شاعرنا»، ويُكثر من الاستشهاد بشعره.

كنز لغوي

يمكن القول إن كتاب ابن جني «الخصائص» هو حصيلة أصوبِ ما نطق به العرب، وهو أول كتاب شامل مُفصل في النحو وأصوله ومباحث فقه اللغة العربية، وخصائصها وأسرارها ووقائعها والتأصيل لها، حيث زخر بمادة ثرية من علوم هذه اللغة، تجمع بين علم الكلام واللسانيات والفلسفة والنحو والأدب، وهو عمل يكشف عن أن المؤلف بذل فيه تفكيراً عميقاً، وتأملاً دقيقاً، مع الكثير من التحليل والتعليل، والاستنتاجات الفريدة، وذلك ما جعله أحد أشهر الكتب التي كتبت في مجاله.

يتكون كتاب «الخصائص» الأصلي من ألف ورقة، تناول فيها ابن جني بنية اللغة وفقهها وأصولها، في ثلاثة أجزاء، يحتوي كل منها على العديد من المباحث، حيث تعرّض في الجزء الأول للفصل بين الكلام والقول، وماهية اللغة وأصلها باعتبارها رموزاً صوتية تعبر عن أشياء، وعن كونها إلهاماً أم اصطلاحاً، وهل عِلَلُها كلامية أم فقهية، وجواز القياس ورفضه لتناقض السمع والقياس، وتحدث عن النحو، والإعراب، والبناء، والاستحسان، والاحتجاج اللغوي، والحكم في جواز ضروريات الشعر... إلخ، كما تحدث في الجزء الثاني عن مواضيع مختلفة، من بينها: ترك الأخذ من أهل المدر (أهل المدن) كما أُخذ عن أهل الوبر (البادية)، واختلاف اللغات وحُجّيتها، وتداخل الأصول الثلاثية والرباعية والخماسية، والحقيقة والمجاز والجناس والطباق، والحروف والحركات.... وفي الجزء الثالث تناول مواضيع من بينها: إضافة الاسم إلى المسمى، والمسمى إلى الاسم، وما يقنع فيه العموم من أحكام صناعة الإعراب، وقوة اللفظ لقوة المعنى، وأغلاط العرب، وسقطات العلماء، وصدق النَّقَلة وثقة الرُّواة والحَمَلة. وهكذا تطرق بهذه المواضيع إلى قضايا من اللغة العربية لم تدرس قبله.

مناهج

انتهج ابن جني في استدلالاته في «الخصائص» مناهج علماء أصول الفقه، وعلم الكلام، والمنطق، من خلال الاعتماد على القياس والإجماع والسماع، والشرح والتعليل، كما عزز أقواله بالقراءات القرآنية والروايات الحديثية، والشواهد الشعرية، والأمثال والأقوال، وآراء أعلام الفصاحة اللغوية، فكان الكتاب بحق كنزاً نادراً من كنوز اللغة العربية بجميع علومها.

أهدى ابن جني كتابه هذا للسلطان بهاء الدولة البويهي، وقد تمت طباعة بعضه لأول في مصر عام 1913م، إلا أن طباعته كاملاً لم تتم إلا عام 1955م، من طرف دار الكتب المصرية وبتحقيق محمد علي النجار.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yvxz9nay

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"