لماذا خاركيف؟

00:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
2

إذا تأخر وصول السلاح الأمريكي الجديد إلى أوكرانيا أو لم يتأخر، فذلك لن يغيّر شيئاً في الموقف الروسي من أهداف حربها التي بدأتها في فبراير/شباط 2022، في استعادة المناطق الشرقية من أوكرانيا ذات الأكثرية الروسية، لأنها وضعت في حسابها أن حلف الأطلسي لن يترك أوكرانيا وحيدة في المواجهة، لأنه بدأ منذ عام 2014، أي منذ استعادة شبه جزيرة القرم، يعِد أوكرانيا بأن تلعب دوراً في محاصرة روسيا، ومن ثم استخدامها في السعي إلى هزيمتها، وتفكيك وحدة الدولة الروسية، وبالتالي، إخراجها من الصراع على إعادة تشكيل النظام الدولي خارج الأحادية الأمريكية.

تدرك موسكو كل ذلك، لذلك ترى أن السلاح الغربي، وآخره الأمريكي، الذي يتدفق على أوكرانيا لن يغير شيئاً في ميزان القوى على الأرض، فهي أعدت العدة لمواجهة طويلة وقاسية، وطورت وسائل المواجهة التي تضع في الحسبان عدم تمكين القوات الأوكرانية من تحقيق نصر عسكري يمكن أن يؤدي إلى هزيمتها.

لذلك عمدت القيادة الروسية، خلال الأشهر القليلة الماضية، إلى تكثيف هجماتها على جميع محاور القتال، وتحقيق مكاسب ميدانية متواصلة، ووضع القوات الأوكرانية في موقف صعب، بعد معاناتها نضوب الذخائر والأسلحة، بما يمكنها من الصمود.

وجاء الهجوم العسكري المفاجئ الأخير على مقاطعة خاركيف شمال شرقي أوكرانيا في إطار خطة لاستكمال السيطرة على المنطقة، باعتبار أن خاركيف تشكل نقطة استراتيجية مهمة، فهي ثاني أكبر مدن أوكرانيا من حيث المساحة وعدد السكان، وتقع عند ملتقى أنهر أودا ولوبان وخاركيف، وهي إضافة إلى ذلك تعد نقطة ربط أساسية لمناطق القرم ودونباس والقوقاز، بفضل شبكة سككها الحديدية التي تربط بين الغرب والشرق والجنوب والشمال الأوكراني، عدا أنها كانت خلال العهد السوفييتي مركزاً صناعياً مهماً للدبابات والجرارات والطائرات والمدفعية.

خلال أيام قليلة تمكنت القوات الروسية من احتلال العديد من البلدات والقرى في إقليم خاركيف، ما جعل واشنطن تعلن حزمة مساعدات عسكرية جديدة لكييف ب 400 مليون دولار، معربة عن ثقتها بأن أوكرانيا «قادرة على صد أي هجوم روسي جديد»، لكن الواقع يقول شيئاً آخر؛ إذ إن قائد الجيش الأوكراني الجنرال أولكسندر سيرسكي تحدث عن معارك عنيفة تدور على طول خط الجبهة الممتد لمسافة ألف كيلومتر، كما أشار إلى «موقف عصيب ومعقّد»، وإلى أن الوضع في خاركيف «تدهور إلى حد كبير»، وأن القوات الأوكرانية «تخوض معارك دفاعية شرسة».

الجنرال الأسترالي المتقاعد ميك رايان يرى من جهته أن أوكرانيا «ستخسر المزيد من القوات إذا قررت الدفاع عن مقاطعة خاركيف»، وأكد لصحيفة «نيويورك تايمز» أن الأسابيع المقبلة ستكون «قاتمة للغاية لوحدات القوات المسلحة الأوكرانية شرقي البلاد». وأشار إلى أن تزويد كييف بأنظمة دفاع جوي من الحلفاء الغربيين «لن يغيّر بأي حال من الوضع المحبط للقوات الأوكرانية، ولن يحميها من الضربات الجوية الروسية».

من الواضح أن روسيا تصعّد حملتها العسكرية من أجل إجبار أوكرانيا على الجلوس على طاولة المفاوضات ليقينها بأنها لن تهزم، وبأن حرب استنزاف طويلة المدى سوف تكون لمصلحتها، وبأن المدافعين عن فكرة استمرار الحرب وتزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة غير مقتنعين باحتمال الفوز في المعركة، ولا بد في نهاية المطاف من البحث عن خطوات ملموسة لإرساء نهاية سلمية للحرب، وتحديد خطوات ملائمة للمفاوضات، تجنب المخاطر المتصاعدة إذا اتسعت رقعة المواجهة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/u59f6kwe

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"