قلق أوروبي ينذر بالتطرف

00:04 صباحا
قراءة 3 دقائق
2

نكأت محاولة اغتيال رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو جرحاً أوروبياً قديماً خلفته نزعات التطرف والانقسام التي شهدتها القارة في عقود خالية وقادتها غير مرة إلى حروب كبرى، مثل الحرب العالمية الأولى التي فجرها اغتيال ولي عهد النمسا آنذاك فرانتس فرديناند في سراييفو، ودشّن مرحلة طويلة من عدم الاستقرار استمرت إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية في أواسط أربعينيات القرن العشرين.

تصاعد العنف والتطرف قرين الأزمات الحادة، وما تشهده أوروبا منذ سنوات قليلة يعكس حالة استثنائية من القلق والمخاوف من مستقبل يبدو مجهولاً ومحفوفاً بالمخاطر، وبات يهدد بجدية عهد الرخاء والازدهار والهيمنة، وتعبر عنه سياسات متضاربة وخطابات متمردة تصدر عن أحزاب وشخصيات ودول، وهو ما يدفع إلى طرح حزمة من الأسئلة الوجودية حول مصير القارة الأوروبية المنقسمة بين نزعتين رئيسيتين، الأولى تتمسك بالاتحاد القاري وتدافع عنه ليكون قطباً مستقلاً عن باقي أقطاب العالم، والثانية تدفع باتجاه الخروج من هذا الاتحاد، مثلما فعلت بريطانيا، من خلال التمسك بالدولة الوطنية وإعادة إحيائها بإثارة المشاعر القومية والأمجاد القديمة.

وتقود هذا التوجّه أيديولوجيات اليمين المتطرف التي تنتشر وتكتسب زخماً متواصلاً، في كل أقطار أوروبا، وخصوصاً في ألمانيا وفرنسا ودول الجناح الشرقي للقارة، حيث بدأت تنمو ظاهرة مثيرة للقلق، بين من يعادون روسيا ومن يناصرونها ويعتبرون التعاون معها أفضل من مواجهتها، مثلما هو حال موقف رئيس الوزراء السلوفاكي المصاب، وغيره من زعماء أوروبا الشرقية. وكانت الحرب في أوكرانيا، أحد العوامل التي ساهمت في تعزيز هذا الانقسام، الذي يمكن أن يكون عميقاً وحاسماً في المستقبل إذا انتهت هذه المواجهة بانتصار روسي صريح، ليس على أوكرانيا، وإنما على المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة.

الوضع الحالي في أوروبا غير مريح، وهو يتفاعل مع المستجدات الجارية على الحدود الشرقية وصولاً إلى جنوب شرقي آسيا، حيث الصين القوة العظمى الصاعدة بقوة في كل المجالات، وباتت تشكل مع روسيا تحالفاً موضوعياً، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وبناء على كل هذه التطورات يتصاعد القلق الأوروبي مدفوعا بأزمة اقتصادية خانقة بدأت منذ ما قبل جائحة «كورونا» واتسعت مع حرب أوكرانيا واستفحلت مع العدوان الإسرائيلي على غزة، والتمرد على القوى الغربية في إفريقيا. وكلها عوامل لا تحمل خيراً للأوروبيين، مما يسهم في نشوب الصراعات وتصاعد العنف وخطابات العنصرية والكراهية، وصولاً إلى عمليات القتل.

رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو الذي يرقد في المستشفى بين الحياة والموت، يحسب له أنه حذر قبل فترة من أن الاستقطاب الذي تشهده بلاده، وأوروبا عموماً، قد ينتهي بقتل سياسيين. وبما أن حوادث الاغتيال ليست غريبة عن أوروبا، إذ شهد عام 2003 اغتيال رئيس الوزراء الصربي زوران ينديتش، وعام 1986 جريمة قتل رئيس الوزراء السويدي أولاف بالم، إلا أن محاولة اغتيال فيكو تبدو الأخطر على الإطلاق، بالنظر إلى السياق الأوروبي والعالمي، فهي تأتي قبل نحو شهر من انتخابات البرلمان الأوروبي، إذ تشير التوقعات إلى أن الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية ستسجل فيها اختراقاً تاريخياً، بينما الأخبار القادمة من حرب أوكرانيا لا تسر الطبقات الحاكمة في العواصم الأوروبية الكبرى، التي لا تملك بديلاً أو خطة لتجنب الأسوأ، ما يفاقم من تعقيد المشهد، ويغرق أوروبا في مزيد من التطرف والعنف والتمرد على الواقع المستجد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s3fafav

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"