عادي
الذكاء الاصطناعي يُحدث تحولاً نموذجياً بالتزامن مع تزايد الاعتماد عليه

«دبي للسلع»: تسارع وتيرة نموذج التمركز الإقليمي في التجارة العالمية

18:36 مساء
قراءة 6 دقائق
حمد بوعميم وفريال أحمدي وأحمد بن سليم
دبي: «الخليج»

أصدر مركز دبي للسلع المتعددة النسخة الأحدث من تقرير «مستقبل التجارة» بعنوان «توجهات جديدة تعيد تشكيل مشهد التجارة الدولية»، الذي أكد استمرار زخم نمو التجارة العالمية وأدائها المرن خلال العام 2024، بفعل التحول المتسارع نحو نموذج التمركز الإقليمي، الذي يعزز بدوره الشراكات الثنائية والمتعددة الأطراف، ويأتي مدعوماً بجملةٍ من العناصر الرئيسية مثل إعادة الهيكلة الشاملة عبر سلسلة التوريد، والنمو المتواضع في تجارة السلع والبضائع، والطفرة الملحوظة في تجارة الخدمات الرقمية، بجانب الاعتماد المتزايد لتقنيات الذكاء الاصطناعي.

وبحسب التقرير، فإنه من المتوقع أن تشهد التجارة العالمية تعافياً من الانكماش الطفيف، الذي مرت به خلال العام 2023، حيث تُقدر نسبة النمو المتوقع في عام 2024 بـ 2.6%. وستكون تجارة الخدمات، وبشكل خاص الخدمات الرقمية، رافداً رئيسياً وراء دعم هذا النمو، متفوقةً بذلك على نمو تجارة السلع والخدمات الأخرى. كما سيسهم الإقبال المتنامي على الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في رفع مستوى الكفاءة ضمن منظومة التوريد والتمويل التجاري.

وقال حمد بوعميم، رئيس مجلس إدارة المركز: «يستعد العالم لمواجهة سلسلة من التحولات الكبرى التي ستعيد تشكيل ملامح مستقبل التجارة، بالتزامن مع توطيد العلاقات التجارية الإقليمية وتدشين حلول تكنولوجية جديدة قادرة على رفع القدرات والكفاءات إلى مستويات غير مسبوقة. ووفقاً لنتائج الدراسة البحثية المتضمنة في التقرير، فإن التوجهات التي ظهرت أثناء الجائحة الدولية كوفيد-19 – مثل الإقبال المتزايد على الخدمات الرقمية والابتعاد تدريجياً عن نموذج العولمة – تتسارع وتيرتها وبالتالي ستفرض حضورها وبقوّة خلال السنوات القادمة. إن مناطق مثل آسيا والشرق الأوسط ستكتسب دوراً متنامياً، من خلال تشكيل تحالفات جديدة وتحرير سلاسل التوريد من المخاطر التي كانت مرتبطة بنموذج العولمة المعهود».

فيما قالت فريال أحمدي، الرئيس التنفيذي للعمليات في المركز: «يُعد النظام العالمي الحالي سبباً رئيسياً وراء نقص الإمدادات، وعدم انتظام حركة نقل البضائع ضمن مساراتها المحددة، ناهيكم عن ارتفاع التكاليف على المستهلكين. ونتوقع أن تشهد تجارة الخدمات طفرة كبيرة، مدفوعةً بالموجة الجديدة من الخدمات الرقمية المنتشرة في جميع أنحاء العالم».

وأضافت: «في السنوات المقبلة، ستركز الشركات والأنظمة الاقتصادية على تعزيز مرونتها كأولوية رئيسية، نظراً للضغوط التي تواجهها اليوم. وهذا سيقودنا أيضاً إلى تشكيل تكتلات إقليمية وممرات تجارية جديدة تعتمد بشكل كبير على الإمكانات والابتكارات التكنولوجية، خصوصاً في مجالات حيوية مثل أشباه الموصلات وتطوير الذكاء الاصطناعي. أما المراكز التجارية التي ستتمكن من استغلال الفرص المتاحة فستكتسب زخماً كبيراً وستكون لاعباً رئيسياً ضمن تدفقات التجارة العالمية خلال العقود المقبلة. وفي هذا السياق، ستضطلع دولة الإمارات، خاصة دبي، بدور محوري ومتنامٍ، لا سيما في مجال التقنيات المستدامة».

أبرز ما جاء في التقرير: 

  • في السنوات القادمة، سنشهد إقبالاً متزايداً على نموذج «التحالف مع الدول الصديقة» (friendshoring) – الذي يعني نقل العمليات التجارية إلى دول حليفة – مدعوماً بالاتفاقيات الإقليمية متعددة الأطراف، ما يعزز بدوره مراكز التجارة الإقليمية المشتركة في آسيا وأمريكا الشمالية. كما ستستفيد الأسواق الناشئة سريعة النمو التي تتبع استراتيجيات عدم الانحياز، من تنامي حركة التجارة ضمن هذا المشهد متعدد الأقطاب.
  • ستشهد عملية إعادة هيكلة سلاسل التوريد تسارعاً ملحوظاً، حيث تسعى الشركات إلى تقليل المخاطر المرتبطة بشبكاتها اللوجستية في ظل احتدام الصراعات الدولية، وبروز مفهوم القومية الاقتصادية، بجانب تصاعد النزعات الحمائية. وهذه العملية قد تتطلب استخدام طرق شحن أطول وتحمّل تكاليف أعلى، لكنها تضع المرونة كأولوية رئيسية. أما الأسواق الناشئة، مثل المكسيك، وفيتنام، والهند، فستبرز كمصادر إنتاج بديلة للصين، خصوصاً في ما يتعلق بالسلع المصنعة، حيث تعمل الشركات على تحويل أجزاء من سلاسل التوريد الخاصة بها إلى أسواقها. وفي الوقت ذاته، تستغل دول الشرق الأوسط، مثل الإمارات، موقفها السياسي المحايد وبنيتها التحتية التجارية المتطوّرة، كما في مراكز التجارة مثل دبي، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي كحلقة وصل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب.
  • ونشهد تزايداً متنامياً على اعتماد واستخدام التقنيات السليمة بيئياً بالتزامن مع سعي المزيد من الدول نحو خفض الانبعاثات الكربونية الصادرة عن قطاعاتها الصناعية. وتُعد دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من بين أكبر عشرة مستوردين للتقنيات السليمة بيئياً في العالم من حيث القيمة، بجانب مراكز تجارية رئيسية أخرى مثل الولايات المتحدة، والصين، وهولندا، وهونغ كونغ، وسنغافورة. وهذا يعكس الأهمية الاستراتيجية والإقليمية المتزايدة التي تكتسبها دولة الإمارات باعتبارها مركزاً تجارياً عالمياً رائداً في مجال التحوّل المستدام.
    وقد أكد استطلاع التقرير، الذي شمل أكثر من 150 مشاركاً من قادة الأعمال وصنّاع السياسات، أن الذكاء الاصطناعي هو أكثر تكنولوجيا مؤثّرة على المشهد التجاري.
  • وبخلاف الذكاء الاصطناعي، تستعد صناعة أشباه الموصلات للعب دور رئيسي في سباق التفوق التكنولوجي، خصوصاً أن أشباه الموصلات تُعد عنصراً ضرورياً ليس فقط في مجال الإلكترونيات، بل أيضاً في جهود التحول نحو الاستدامة، حيث تُستخدم كمكونات أساسية في خلايا الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية. وفي ظل الصراع الناشئ المعروف بـ«حرب الرقائق الإلكترونية» بين الصين والولايات المتحدة، فإنه يُتوقع أن تتصاعد حدة التوترات التجارية وأن تشهد الأسواق المزيد من التمركز الإقليمي، مع سعي كل من الدولتين نحو تعزيز قدراتها الإنتاجية وحماية صناعاتها الوطنية.

ويقدم التقرير مجموعةً من التوصيات البارزة الموجهة للشركات والحكومات بهدف دفع عجلة النمو ومواجهة التحديات المحتملة.

  • توصيات للشركات: 
  1. إعادة تشكيل سلاسل التوريد في مواجهة التحولات الجيوسياسية. تنويع قاعدة الموردين والاستثمار في استراتيجيات المصادر البديلة والإضافية لضمان استمرارية العمل وعدم حدوث اضطرابات في سلاسل التوريد.
  2. الاستثمار في التحول الرقمي والابتكار. الشركات التي تستثمر في فهم وتوظيف التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، ستكون قادرة على اغتنام مكاسبها الثورية، وبالتالي ستحافظ على مكانتها الرائدة في المشهد التنافسي.
  3. وضع الاستدامة كأولوية رئيسية على مستوى مجلس الإدارة. ضرورة وضع معايير الاستدامة على رأس أولويات أجندة عمل المجلس بجانب اعتماد أطر الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في عملية صنع القرارات الاستراتيجية، لضمان التوافق مع الأهداف الوطنية.
  4. تخفيف حدة مخاطر سلسلة التوريد المرتبطة بالتغيّر المناخي. تحديد المخاطر المناخية التي قد تؤثر على سلاسل التوريد وتطبيق استراتيجيات لتخفيف حدة هذه المخاطر، مثل التأمين على الممتلكات والتأمين ضد الحوادث.
  5. التعامل مع مصادر التمويل غير التقليدية. يجب على الشركات، خاصة الصغيرة والمتوسطة، أن تبحث عن مصادر تمويل بديلة مثل رأس المال المخاطر وأسهم الملكية الخاصة والتمويل الجماعي. ويُقترح أيضاً أن تتعاون الشركات الكبرى مع بنوك التنمية ضمن مبادرات تمويل متنوعة والاستفادة من مصادر الإقراض منخفض المخاطر وكذلك الوصول إلى أسواق جديدة.
  • توصيات للحكومات:
  1. بناء علاقات تجارية جديدة. تشجيع الصادرات نحو المناطق التي تتمتع بإمكانات نمو مرتفعة، ما يساهم في تطوير قواعد استهلاكية جديدة، وبالتالي تعزيز قدرة الحكومات على تخطي التحديات المرتبطة بتباطؤ وتيرة نمو التجارة العالمية، ومن ثمّ الصمود أمام التقلبات الاقتصادية.
  2. الاستثمار في تطوير البنية التحتية الرقمية والابتكار. يُعد دعم تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي ومنصات التجارة الرقمية استراتيجية رئيسية لفتح آفاق فرص جديدة للنمو الاقتصادي وتعزيز القدرة التنافسية.
  3. دعم الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وتنظيمه. إن تعزيز الابتكار ومعالجة المخاوف المرتبطة بالخصوصية والتحيز والمساءلة يُعد بمثابة خطوة حيوية ستتيح للحكومات الاستفادة من الإمكانات الثورية في الذكاء الاصطناعي. ويتوقف تحقيق ذلك على الاستثمار في عمليات الأبحاث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، ودعم تعليم وتدريب الكوادر بموازاة تأسيس أطر تنظيمية لضمان الاستخدام الأخلاقي لهذه التكنولوجيا.
  4. الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا المستدامة. يجب على الحكومات منح الأولوية لمشاريع الطاقة المتجددة، وتحديث شبكات النقل، ودعم عمليات الأبحاث والتطوير في مجال التقنيات المستدامة.
  5. تركيز الأولوية على جميع التدابير، سواء المرتبطة بالسياسات أو غير المرتبطة بها، لمعالجة فجوة التمويل التجاري. يجب على الحكومات أن تعمل على تعزيز التعاون مع المؤسسات المالية الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف لتوسيع نطاق أدوات التمويل التجاري المتاحة وتنفيذ الإصلاحات التنظيمية لإزاحة العوائق التي تعرقل الوصول إلى التمويل التجاري.
  • إطلاق التقرير

أطلق أحمد بن سليم، الرئيس التنفيذي الأول والمدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة، التقرير، الثلاثاء، في الجمعية الملكية للفنون في لندن، المملكة المتحدة. وقام الوفد الممثل للمركز، خلال حفل الإطلاق، باستعراض آرائه حول النسخة الجديدة من التقرير بجانب كوكبة من قادة الشركات الدوليين والخبراء الاقتصاديين من شركة هيتاشي زيرو كاربون، والبنك الصناعي والتجاري الصيني، والمركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه التقارير تمت قراءتها وتحميلها لأكثر من 1.9 مليون مرة، ما يعكس الزخم المتنامي الذي يكتسبه المركز على خارطة التجارة الدولية. إن النسخة الأخيرة من التقرير تمثل نتيجةً لجهود تعاونية وعمل جماعي موسع، حيث استند مركز دبي للسلع المتعددة في إعداده إلى استشارات معمقة مع نخبة من الخبراء وأجرى أبحاثاً شاملة تناولت توقعات التجارة الدولية. قام المركز بتنظيم تسع جلسات نقاشية دولية تم خلالها استقصاء آراء أكثر من 150 من قادة الأعمال والشركات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y6ahtsuk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"