ضرورة سد الفراغات الثقافية

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

هل كان للخاطر أن يهدأ بعد وخزات الطرح أمس؟ بعبارة أجلى: إلى ثقافات الشرق دُرْ. الوخز جرّاء العذل، فحتى لا يسبق السيف العذل، العتاب أهون: عليكم أن تستبينوا الأمر أيها العرب، قبل ضحى الغد. لقد أمسى لا مناص من الخلاص من عذاب الاستلاب. الشرق كان مهملاً، مع أن ميراثنا نصحنا بطلب العلم بما لا نعلم في تلك الديار القصيّة. ما أروع الجواز الضمني، فمصدر المقولة يعلم أن ما في الصين مختلف تماماً. تلك نظرة أمميّة راقية. راقية من الرقيّ ومن الرّقيا لكل آفة مادّية أو معنويّة.
لم يبحث مفكرونا ومثقفونا في القرنين الأخيرين، الأسباب التي حالت دون اندماج العقل العربي في العلوم والفنون الجادّة. مثلاً: لماذا ناصبنا الفلسفةَ العداء؟ لماذا ظهر لدينا في البلاد العربية مفكرون كبار ولكنهم عاشوا بلا تأثير. لماذا لم يلق البحث العلمي رواجاً أو جاذبيةً عربيّاً؟ لماذا صدحت الموسيقى العربية الرفيعة أربعة عقود ثم انهارت. معذرةً، فهذه مسألة ثقيلة حتى على سمع الصخر الأصمّ: لماذا نرى العالم العربي راسباً في امتحان أهمّ أمرين يميّزان الإنسان: القدرة على التعلّم والإحساس بالزمن. صحت بالقلم: ما هذه الوقاحة؟ قال: هذه زفرة حرية تعبير، فإلى أن يثبتوا العكس، «يطول اليوم قرناً»، بتعبير جنكيز آيتماتوف.
وا أسفا، لقد ظلمنا شرقنا. على مرّ عقود كان مثقفونا هائمين بقصاصات شعرية مثل «الزورق السكران» للفرنسي رامبو، الذي تدرّسه جامعات عربيّة، بينما كان المستشرق رينولد نيكولسون يسهر المصباح معه، في ترجمة خمسة وعشرين ألف بيت في «المثنوي المعنوي» لجلال الدين الرومي، وفوقها غزليات مختارة للرومي. مثقفونا كانت لهم طقوس افتتان بالتجارب السوريالية والدادية والقصائد البصرية، بينما كان المستشرق نيكولسون نفسه عاكفاً على ترجمة «أسرار الذات» (أسرار خودى) لمحمد إقبال، «تذكرة الأولياء» لفريد الدين العطار، «ترجمان الأشواق» لمحيي الدين بن عربي. رجاءً، لا تقل إنه شيء مخجل.
الفراغات الثقافية تحتاج إلى إعادة النظر في المناهج. عندما تستوعب الأخيرة الرياضيات والفلسفة والموسيقى في حيّز فكريّ واحد، عندها تنطلق البحوث العلميّة على موجة واحدة. المطلوب، أن تعود بنا آلة الزمن إلى بلاط المأمون العبّاسي، يوم طلب من الخوارزمي وضع كتاب في الرياضيات يساعد الناس على حل مشكلاتهم اليوميّة. «دخلك»، هو ابن القرن الحادي والعشرين، أم العرب اليوم؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الذهولية: ما سرّ إعراض المفكرين والمثقفين عن إبداء الرأي في المناهج ونقدها. ذلك إثراء، ولو «زعل» التربويون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/r8r52388

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"