تراثيات الأجيال

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين

العيد والمناسبات الدينية المتعددة، جزء لا يتجزأ من الذاكرة الشعبية الجمعية لأي مجتمع إسلامي، لاسيما المجتمع العربي منه، بما يزخر به من عادات وتقاليد ومناسبات مجتمعية عدة.. وهي ذاكرة جديرة بالتوثيق بما يليق بالمناسبة، وبما يتيح للأجيال المتعاقبة الاطلاع على مجتمع الآباء والأجداد، بما يكتنزه من ممارسات سنوية كانت أم يومية، كالأعياد والأوقات الدينية الدورية السنوية المختلفة، و«السنع» المعنيّ بالسلوكيات للأفراد والمجتمع ككل.

التوثيق مهمة المثقف في المقام الأول، أديباً كان، أم باحثاً في التراث والتاريخ، من خلال تدوين حكاياتهم وتجاربهم الحياتية في تلك المناسبات، بما يتيح لكل منهم جمع تجاربه في كتاب واحد، وهكذا تتراكم التجارب، وتتزايد الكتب، وتزخر المكتبة بالعشرات والمئات من الكتب المعنية بالمناسبات المجتمعية، وبما يتيح للأجيال المتعاقبة الاطلاع على تجارب الأجيال التي سبقتها وحكاياتهم، وكيف كانت ممارساتهم وطقوسهم في تلك المناسبات.. فكل جيل امتداد للجيل الذي سبقه وعتبة للجيل الذي يليه، وكل جيل يمارس الطقوس نفسها ويعيش المناسبات نفسها، بطرق قد تختلف عن الطرق التي اتبعها من سبقه، إلا أن روح المناسبة تبقى كما هي، زاخرة بالصفة المجتمعية الجمعية بما يليق بالمجتمع وعاداته وتقاليده المستمدة من روح الدين لإسلامي و«السَّنْع» العربي.

مسألة أخرى، لو أقدم كل صحفي أو إعلامي بجمع الحوارات التي أجراها مع المثقفين على اختلاف توجهاتهم وتخصصاتهم في كتاب واحد، لكانت المكتبة عامرة بالكتب النوعية المعنية بتلك المناسبات، وكذلك الحال بالنسبة للصحيفة أو المطبوعة الصحفية نفسها، لو عملت على جمع الحوارات التي أجريت مع المثقفين حول تلك المناسبات طوال سنوات، لكانت الحصيلة مجلدات وموسوعات تثري المكتبة وتُعين الباحثين والمهتمين بالتراث الديني في مهامهم البحثية أو التاريخية أو الإبداعية الأدبية.

إنّ إقدام المثقف بصفته الفردية على إنجاز مثل هذه المشاريع، يتطلب تذليل العقبات حتى يتمكّن من المساهمة في رفد المكتبة بهذه النوعية من الكتب، لاسيما المؤسسات الثقافية المعنية بالنشر بصفة عامة، وبالجانب التراثي على وجه الخصوص، وكذلك الحال بالنسبة لدور النشر الخاصة، التي ينبغي لها المساهمة في مثل هذه المشاريع الوطنية، من خلال مراعاة المؤلف مادياً.

إذن، المشهد الاجتماعي زاخر بالعديد من العادات والتقاليد والأعراف والطقوس والسلوكيات الجديرة بالالتفات إليها، والعناية بها بتوثيقها.. سواء بالكتابة الإبداعية، كالشعر والقصة والرواية والمسرح، أم بالكتابة البحثية، ومن خلال الأفلام التوثيقية، والأعمال الفنية المختلفة.. بما يتطلب تكاتف الجهود وتذليل الصعاب، مع ضرورة وجود الرغبة الأكيدة في ذلك، ومع الإيمان بأهمية المحافظة على تلك المناسبات في أعمال توثق تقاليد المجتمع وتحافظ على مكتسباته.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4cb734mt

عن الكاتب

أديب وكاتب وإعلامي إماراتي، مهتم بالنقد الأدبي. يحمل درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال، من جامعة بيروت العربية. وهو عضو في اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات، وعضو في مسرح رأس الخيمة الوطني. له عدة إصدارات في الشعر والقصة والمقال والدراسات وأدب التراجم

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"