تخوف أمريكي من صفقة غاز إيرانية – أوروبية ... د . أيمن علي

01:56 صباحا
قراءة 3 دقائق

لم يكن مفاجئا، ان تقرر الدول الست الكبرى التي تتولى قيادة المحاولات الدولية لوقف البرنامج النووي الايراني تقديم مقترحات حل جديدة لطهران عبارة عن حوافز مقابل وقف تخصيب اليورانيوم . ذلك على الرغم من جولات ثلاث من العقوبات الاقتصادية الدولية التي فرضت على ايران ولم تجبرها على التراجع . فالواضح ان الأسرة الدولية، بقيادة امريكية - بريطانية - فرنسية، لا ترى العقوبات الاقتصادية وسيلة فعالة على الرغم مما بدا من اثر لتلك العقوبات على الاقتصاد الإيراني، خصوصا القطاع المصرفي .

وكانت طهران اتخذت حطوة غير مسبوقة الشهر الماضي بتحويل كافة احتياطاتها من العملات الاجنبية الى اليورو والين والتخلي تماما عن الدولار الامريكي، بل وذهبت الى حد انها أوقفت التعامل بالدولار في تسعيرها لمبيعاتها من النفط والغاز . وهكذا اصبحت ايران اول دولة في العالم تسعر النفط بغير الدولار . يذكر ان الرئيس العراقي السابق صدام حسين كان اعلن عن نيته تسعير النفط باليورو قبل غزو واحتلال العراق، ومع انه لم يفعل الا أن مجرد التفكير في ذلك أثار غضباً أمريكياً وغربياً .

ولأن قطاع الطاقة الايراني بحاجة لاستثمارات ضخمة للتطوير منذ سنوات، كان من المتوقع ان تؤدي العقوبات الاقتصادية الدولية الى مزيد من المشاكل الاقتصادية التي تجعل طهران مضطرة لتليين موقفها . لكن ذلك لم يحدث، ولجأت ايران الى تعويض الضغوط الاقتصادية الغربية (الامريكية والاوروبية) بتكثيف التعاون الاقتصادي مع دول الجوار . واستغلت ايران معرض النفط الدولي فيها الشهر الماضي لإبرام اتفاقيات مع عدد من الدول الاسيوية . ووصلت قيمة العقود مع شركاء اسويين أخيرا الى 8 مليارات دولار أمريكي، أهمها مع ماليزيا لتطوير حقلي غولشان والفردوس للغاز ومع الصين لتطوير حقل يادافاران النفطي ومع فيتنام للاستكشاف في حوض دانان .

لكن اخطر ما اقلق الولايات المتحدة حقا هو اتفاق الغاز الايراني - الاوروبي الذي قد تصل قيمته الى 42 مليار دولار ويفتح الباب امام استثمارات غربية في قطاع النفط والغاز الايراني . ويذكر ان ايران، حتى قبل العقوبات الدولية الاخيرة، تخضع لعقوبات امريكية طبقا لقانون داماتو للعقوبات على كوبا وايران منذ نحو ربع قرن . ويقضي قانون داماتو بفرض حظر امريكي على أي شركة تستثمر اكثر من 20 مليون دولار في قطاع الطاقة الايراني . لكن يبدو ان ذلك القانون لم يردع الكثير من الشركات في الماضي، وان ترددت شركة رويال دتش شل البريطانية/الهولندية وتوتال الفرنسية في اتمام اتفاقات مع ايران في السنوات الاخيرة مع تعقد مشكلة البرنامج النووي الايراني .

وقعت ايران في مارس/آذار الماضي اتفاق الغاز الاخير مع مجموعة اليكتريزيتاس غيزيلشافت لاوفنبرغ (إي جي إل) السويسرية على هيئة عقد نقل غاز لاكثر من ربع قرن . ويرى السويسريون ان الاتفاق مهم جدا في سياق توفير احتياجات اوروبا من الطاقة وتنويع مصادرها بدلا من الاعتماد على زيادة ضخ الغاز الروسي او من شمال افريقيا . وتقول شركة (إي جي إل) ان عقدها مع ايران سيوفر ضمانة لسد احتياجات ايطاليا المتزايدة من الغاز في تلك الفترة .

وكانت الولايات المتحدة قد تمكنت في الاشهر الاخيرة من اقناع عدد من الدول الاوروبية بوقف تعاونها الاقتصادي مع ايران، حتى بما هو اكثير مما تضمنته العقوبات الدولية . واسفرت تلك الجهود الامريكية عن تقدم، خاصة على صعيد التعاملات المصرفية مع ايران . وبدا ذلك واضحا في حجم العلاقات الاقتصادية الايرانية - الالمانية التي تراجعت في الآونة الاخيرة .

الا ان السويسريين يردون على الاعتراضات الامريكية على صفقة الغاز مع ايران بأن قوانين العقوبات الدولية ليس فيها ما يحول دون اتمام شركة (إي جي إل) الاتفاق، ويبدو ان الشركة غير معنية بعقوبات عليها في اطار قانون العقوبات الامريكي او انها ترى لنفسها مخرجا منه . وما تخشاه الولايات المتحدة، وحلفاؤها الغربيون، هو ان تحذو شركات اوروبية وغربية اخرى حذو الشركة السويسرية في دخول مجال الاستثمار في قطاع الطاقة الايراني . ويجري الحديث الان عن احتمال امتداد التعاون الايراني - الآسيوي الى ما هو ابعد لتدخل شركات استرالية في قطاع الطاقة الايراني .

من هنا جاء التحول الى تقديم الاغراءات والحوافز الاقتصادية لايران، على ما يبدو خوفا من تشقق جدار العقوبات الدولية وعدم جدوى تصعيدها من دون ان تسفر عن خنق الاقتصاد الايراني . ولا شك في ان التخوف من دخول شركات غربية اخرى الى قطاع الطاقة الايراني على غرار الشركة السويسرية، ساهم ايضا في هذا التحول .

محلل اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"