الحقيقي والمفروض

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

الضغط الاجتماعي، قوة خفية لكنها مؤثرة بشكل كبير على قرارات الأفراد وحياتهم اليومية، في كثير من الأحيان، يجد الناس أنفسهم يتخذون قرارات تتماشى مع توقعات العائلة والأصدقاء والمجتمع العام، بدلاً من اتباع رغباتهم وطموحاتهم الشخصية.

هذا الضغط يمكن أن يبدأ من مرحلة الطفولة، حيث يواجه الأطفال واليافعين ضغوطاً لتحقيق نجاحات أكاديمية معينة أو اتباع مسارات مهنية محددة تُعتبر أكثر احتراماً وقبولاً اجتماعياً، ويتسرب هذا الضغط إلى حياة البالغين، حيث يستمر في التأثير على قرارات حياتية جوهرية مثل اختيار الشريك، تحديد مكان الإقامة، وحتى اتخاذ قرارات تتعلق بالصحة والرفاهية.

الضغط الاجتماعي لا يقتصر فقط على القرارات الكبيرة، بل يمتد أيضاً إلى التفاصيل اليومية، حيث يمكن أن يشعر الأفراد بالضغط للتوافق مع معايير الجمال، متابعة الموضة، أو تبني نمط حياة معين يتماشى مع الصورة المثالية التي يروج لها المجتمع ووسائل الإعلام، هذه التوقعات يمكن أن تخلق شعوراً بالاستياء والإحباط، خصوصاً عندما يجد الأفراد أنفسهم غير قادرين على تلبية هذه المعايير.

لمواجهة هذا الضغط، يحتاج الأفراد إلى تطوير وعي ذاتي قوي وقدرة على التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مفروض، التعرف إلى القيم والأهداف الشخصية يعتبر خطوة أولى مهمة، بدلاً من الانجراف مع التيار، يمكن للأفراد أن يسألوا أنفسهم: «ما الذي أريده حقاً؟» و«ما الذي يجعلني سعيداً ويحقق لي الرضا؟». من خلال تحديد هذه القيم، يصبح من الأسهل مقاومة الضغوط الخارجية.

إحدى الاستراتيجيات الفعالة في التعامل مع الضغط الاجتماعي هي بناء شبكة دعم قوية من الأصدقاء والعائلة الذين يتشاركون القيم والتطلعات نفسها، هؤلاء يمكن أن يكونوا مصدر إلهام ودعم في الأوقات الصعبة، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد الانخراط في النشاطات التي تعزز الثقة بالنفس والاستقلالية، مثل التطوع أو ممارسة الهوايات الشخصية، في تقوية الشعور بالذات والتقليل من التأثير السلبي للضغوط الاجتماعية.

لا يمكننا أن نهرب من الضغط الاجتماعي تماماً، فهو جزء لا يتجزأ من الحياة المجتمعية، ولكن يمكننا أن نختار كيف نتعامل معه وكيف نسمح له بتشكيل قراراتنا ومستقبلنا، إن إدراكنا لقيمنا وأهدافنا الشخصية، والسعي لتحقيقها بإصرار وثقة، هو ما يمنح حياتنا المعنى الحقيقي والسعادة الحقيقية، ففي عالم يموج بالتوقعات والضغوط، تظل القدرة على البقاء مخلصين لأنفسنا هي أعظم قوة نمتلكها.

لنتذكر دائماً أن السعادة الحقيقية تأتي من الداخل، وأن اتباع قلوبنا هو الطريق الأمثل لتحقيق الرضا والسلام الداخلي، في وجه الضغط الاجتماعي، فلنكن شجعاناً بما يكفي لنعيش الحياة التي نختارها، وليس الحياة التي يُمليها علينا الآخرون.

[email protected]

www.shaimaalmarzooqi.com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3zpns457

عن الكاتب

كاتبة وناشرة إماراتية ومؤلفة لقصص الأطفال وروائية. حصلت على بكالوريوس تربية في الطفولة المبكرة ومرحلة ما قبل المدرسة والمرحلة الابتدائية، في عام 2011 من جامعة زايد بدبي. قدمت لمكتبة الطفل أكثر من 37 قصة، ومتخصصة في أدب اليافعين

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"