صراع استقطاب المواهب

21:48 مساء
قراءة 4 دقائق

بيدرو لاسيردا *
تتميز منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بتنوعها الجغرافي ومراكزها الحضرية النابضة بالحيوية. وينعكس هذا التنوع والحيوية على المشهد الاقتصادي للمنطقة، حيث تشهد دولها حالياً فترة نمو اقتصادي ملحوظ.

وبحسب توقعات البنك الدولي، من المتوقع أن تحقق المنطقة نمواً في الناتج المحلي الإجمالي يصل إلى 3.5% في عامي 2024 و2025، مما يؤكد قوة اقتصاداتها. هذه الزيادة في النشاط الاقتصادي تؤدي إلى طلب متزايد على العمال المهرة عبر مختلف القطاعات. على سبيل المثال، شهد الطلب على الكفاءات في الإمارات ارتفاعاً كبيراً خلال الربع الثالث من عام 2023، وذلك في العديد من القطاعات. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب قطاع السياحة المزدهر تدفقاً مستمراً للعمال المهرة لتلبية الطلب المتزايد على الخدمات.

ومع ذلك، يخفي هذا البريق الاقتصادي تحدياً جوهرياً يتمثل في تقلب مشهد التوظيف. يمثل هذا النمط المتأرجح بين الازدهار والانكماش عقبة كبيرة أمام مديري الموارد البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فمن ناحية، تسعى الشركات جاهدة إلى استقطاب المواهب للاستفادة من الفرص المتنامية. ومن ناحية أخرى، يؤدي نقص المهنيين المهرة، خاصة في المجالات التخصصية، إلى احتدام المنافسة على استقطابهم. وغالباً ما تؤدي هذه المنافسة إلى ارتفاع معدلات دوران الموظفين، مما يتسبب بحالة من عدم الاستقرار داخل المؤسسات. كما يمكن أن تؤثر معدلات دوران الموظفين المرتفعة بشكل كبير في المؤسسات، حيث تتكبد تكاليف باهظة تصل إلى نحو 10% من الإيرادات لدمج أعضاء جدد في الفريق.

يتجلى تأثير هذا الاضطراب الوظيفي من خلال جوانب متعددة. إذ تنفق الشركات وقتاً وموارد قيمة بسبب الدوران المستمر في عملية التوظيف والإدماج. كما أن المعرفة المؤسسية تخرج من الباب مع الموظفين المغادرين، مما يعيق مسيرة الإنتاج والابتكار. علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي السمعة السيئة بسبب معدل دوران الموظفين المرتفع إلى صعوبة جذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها، مما يؤدي إلى الدخول في حلقة مفرغة.

إذن، كيف يمكن لمديري الموارد البشرية تجاوز هذا التحدي وتحقيق استقطاب مستدام للمواهب في ظل بيئة عمل متقلبة؟ يكمن الجواب في التحول الاستراتيجي من إدارة مواهب تفاعلية تعتمد على حل المشكلات اللحظية إلى إدارة استباقية تركز على التخطيط للمستقبل.

ففي حين يقدم النمو الاقتصادي فرصاً كبيرة، فإنه يكشف أيضاً عن فجوة واضحة في المهارات، خاصة في المجالات المتخصصة مثل التكنولوجيا والهندسة والرعاية الصحية. يؤدي هذا النقص إلى اشتداد المنافسة على المواهب بين الشركات، مما يؤدي إلى ارتفاع رواتب الموظفين ويجعل الاحتفاظ بهم معركة مستمرة.

تعد المنافسة الشرسة على استقطاب المواهب من أبرز التحديات التي تواجه المنطقة. حيث تنخرط الشركات في صراع لا هوادة فيه لاستقطاب المهنيين المهرة، مما يضطرها إلى تقديم حزم تعويضات مغرية ومزايا جذابة لجذب الموظفين والاحتفاظ بهم. ومع ذلك، لم تعد استراتيجيات التوظيف التقليدية كافية في سوق تعاني ندرة المواهب. يتعين على قادة الموارد البشرية تجاوز الاعتماد على لوحات الوظائف واستكشاف أساليب مبتكرة لضمان ميزة تنافسية في استقطاب الكفاءات.

بالإضافة إلى ذلك، تشكل التوقعات المتطورة للقوى العاملة تحدياً جدياً آخر. حيث يضع الموظفون المعاصرون، ولا سيما من فئة الشباب، تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، وفرص التطوير الوظيفي.

يتعين على المسؤولين عن إدارة الموارد البشرية اعتماد نهج متعدد المحاور لمواجهة التحديات في الاحتفاظ بالكفاءات. يشتمل هذا النهج على عناصر متعددة منها إشراك الموظفين وتطويرهم وتعزيز رفاهيتهم. وفيما يلي بعض الاستراتيجيات الأساسية:

* استحداث علامة تجارية قوية للشركة: تلعب العلامة التجارية القوية للشركة دوراً حاسماً في جذب الكفاءات المتميزة وتنمي مشاعر الاعتزاز بالانتماء للمؤسسة. كما يجب على المسؤولين عن إدارة الموارد البشرية صياغة وتعزيز قيم المؤسسة وثقافتها والتزامها بتنمية الموظفين وتطورهم المهني. وهذا من شأنه أن يعزز الشعور بالانتماء بين الموظفين الحاليين، مما يحسن بالتالي معدلات الاحتفاظ بهم.

* استراتيجيات توظيف مستهدفة: تجاوز الأساليب التقليدية. ينبغي الاستفادة من منصات وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات المهنية والشراكات الاستراتيجية مع الجامعات من أجل الوصول إلى الكفاءات المتنوعة وتحديد المرشحين الذين يتوافقون مع قيم المؤسسة وأهدافها الاستراتيجية.

* تعويضات ومزايا تنافسية: ينبغي إجراء دراسات تحليلية دورية للرواتب لضمان بقاء العروض المقدمة جذابة في السوق. وعلى الرغم من أهمية الحوافز المالية، لا ينبغي التقليل من قوة المزايا غير النقدية التي تتناسب مع تطلعات القوى العاملة المعاصرة، مثل إعانات الرعاية الصحية وبرامج العافية وتدابير العمل المرنة.

* الاستثمار في تنمية الموظفين: يجب منح الموظفين فرص الوصول إلى برامج التدريب وفرص التوجيه والإرشاد، بالإضافة إلى مسارات واضحة للترقية المهنية. لا يقتصر أثر ذلك على تعزيز مهاراتهم فحسب، بل ويعزز أيضاً ولاءهم تجاه المؤسسة.

لم يعد الاحتفاظ بالكفاءات ترفاً بل ضرورة استراتيجية للمؤسسات العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. من خلال اعتماد نهج شامل يشتمل على بناء علامة تجارية قوية للشركة، والتوظيف المستهدف، وتعويضات ومزايا تنافسية، والتركيز على تنمية الموظفين وإشراكهم، يمكن لقادة الموارد البشرية المضي قدماً في مجال الاحتفاظ بالكفاءات بثقة وتحقيق نجاح مستدام للشركة.

* نائب الرئيس الأول لمجموعة «تاسك»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n6eakzm

عن الكاتب

نائب الرئيس الأول لمجموعة «تاسك»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"