عادي
طوفان الأكشن أضعف الإقبال عليه

«أهل الكهف» رسائل واضحة ومتعة منقوصة

23:34 مساء
قراءة 5 دقائق
أحد المشاهد القتالية
مصطفى فهمي ملك روماني

مارلين سلوم

لتكون المقارنة بين الأفلام عادلة ومنصفة، يجب أن نصنّف تلك الأفلام وفق نوعياتها، حيث لا يجوز، مثلاً، المقارنة بين فيلم فانتازيا كوميدي، وآخر اجتماعي يعالج قضايا حياتية مهمة، وبين فيلم تاريخي، وآخر أكشن يعتمد على فرد العضلات، وسباق السيارات، والسرقة.. لكل نوع ولون جمهور، والفيلم الجيد قد لا يجد نصيبه، وما يستحقه من صندوق الإيرادات اليوم، لكنه سينال حقه من النجاح والانتشار لاحقاً، كما حصل مع أفلام عدة، جاءت إيراداتها ضعيفة في الصالات، ثم تميزت، وما زالت تحقق نجاحاً كلما أعيد عرضها تلفزيونياً؛ وفيلم «أهل الكهف» الذي شاهدناه في الصالات، ولم يتمكن من إبهار الجمهور أمام طوفان وهوجة أفلام الأكشن التي تزامن عرضها معه، يستحق التوقف عنده، ومشاهدته سينمائياً، وتكرار المشاهدة لاحقاً تلفزيونياً، لأنه كبير في المضمون والإخراج، ولو كانت عليه بعض الملاحظات.

فيلم «أهل الكهف» هو في الأصل مسرحية كتبها الراحل الكبير توفيق الحكيم، وعالجها سينمائياً الكاتب أيمن بهجت قمر، إخراج عمرو عرفة، ومن بطولة مجموعة كبيرة من النجوم المصريين. مسرحية كتبها توفيق الحكيم عام 1929، ونشرت لأول مرة عام 1933 وكما هو معروف، تناول المؤلف قصة أهل الكهف بشكل فلسفي عميق، ليطرح أكثر من سؤال عن الزمن، وعلاقته بالبشر، بإسقاطات واضحة عن الحياة السياسية، والاجتماعية، بعد ثورة 1919 في مصر، ونقطة الفصل والأهم في كتابته هي اللحظة الفاصلة عند خروج أهل الكهف لمواجهة الحياة، وقد تغير الزمن بغفلة منهم، ومواجهتهم لواقع غير الواقع الذي عاشوه، وعرفوه، وهم يحسبون أنهم لم يناموا إلا بضع ساعات، أو يوماً، أو يومين، بينما هم في الحقيقة ناموا 309 أعوام.. وما قدمه أيمن بهجت قمر ترجمة لروح النص مع تعديلات وإضافات من وحيه، فلم يلتقط كل الجمهور ما يرمز إليه العمل من رغبة في المقارنة بين الأزمنة، وأن تغيّر أحوال المجتمع هو من تغيّر أحوال سياسة الدول، وقادتها، فالشخصيات نفسها، وإن عادت إلى الحياة مجدداً، بعد مرور سنوات طويلة، لن تستطيع التأقلم مع الواقع، وهو ما حصل مع كل من خرجوا من الكهف بعد كل هذه السنوات، والشخصيات التي تحمل نفس أشكال أشخاص كانوا هنا في المكان نفسه، استحالة أن يحملوا الروح والطباع والشخصية وطريقة التفكير نفسها.. وهي الحالة التي يجسدها المؤلف بالأميرة بريسكا (غادة عادل)، ابنة الملك الوثني دقيانوس (مصطفى فهمي)، وشبيهتها، بل توأمتها في الشكل، والتي حملت اسمها نفسه تيمناً بها، بريسكا ابنة الملك المسيحي (بيومي فؤاد)، والفاصل بين الشخصيتين حددتها مشاعر حبيبها «سبيل» (خالد النبوي) الذي كان قائداً في جيش الملك، ووزيراً له، ودخل الكهف هرباً من بطشه قبل أيام قليلة من زواجه من بريسكا، وبعد 309 أعوام خرج من الكهف ليصادف بريسكا فيحسبها حبيبته نفسها، ثم يكتشف أنها شبيهتها شكلاً، وتحمل اسمها لكنها إنسانة مختلفة.. للأسف لم تتح لنا كثرة الأحداث في الفيلم تأمل الفارق بين شخصيتي بريسكا، فهي في الحالتين حبيبة عاشقة لسبيل، وقوتها وتمرّدها في الشخصية الثانية لم يقابلمها في الشخصية الأولى سوى مشهد توسل بريسكا للملك العفو عن حبيبها سبيل، وإطلاق سراحه، وهي عاجزة عن فعل أي شيء، أو مقاومة حرس الملك، بريسكا الجديدة عنيدة ومقاومة بينما السابقة مستسلمة، ومسالمة، وفي الحالتين أحبها سبيل لكنه لم يستطع استكمال رحلته معها.
لمسات الخيال

قصة أهل الكهف معروفة، ودائماً ما يكون للخيال الفني لمساته التي يستطيع من خلالها إبراز نقاط معينة يفهم من خلالها الجمهور فحوى الرسالة، ومضمونها؛ وأهم ما يشير إليه العمل أن بقاء هؤلاء الذين أطلق عليهم الناس «قديسين» في الكهف 309 أعوام، وخروجهم من جديد إلى الحياة ومواجهة الحياة بكل ما طرأ عليها من تغير، وضعهم في حالة عدم توازن، يبحثون عن كل ما يربطهم بماضيهم، بعائلاتهم، بأحبتهم.. ومهما حاولوا التأقلم مع الحاضر وتطورات الزمن وتقلباته، سيعجزون ويفضلون العودة إلى كهفهم.. في مسرحية الحكيم كان أهل الكهف ثلاثة: ميليخا الراعي، ومشلينيا، ومارنوش وزيرا دقيانوس، بينما حولهم قمر إلى سبعة رجال: سبيل (خالد النبوي)، وبولا (محمد ممدوح)، وزيرا دقيانوس، مليخا (أحمد عيد)، التوأم نور ونار (محمد فراج)، خشب (رشوان توفيق)، ومعه حفيده حديث الولادة الذي فارقت والدته (هاجر أحمد) الحياة مباشرة، بعد ولادته وقد منحه الكاتب اسم «إنسان»، لما يحمله من رموز ومعانٍ، خصوصاً أننا نكتشف في النهاية أن ذلك الطفل الذي خرج بعد 309 أعوام من الكهف وهو لا يزال رضيعاً، هو نفسه الراوي (أحمد بدير)، الذي قص حكاية أهل الكهف لكي يتناقلها الناس ويعتبروا منها.

مشاهد معدودة

طبعاً يضم الفيلم الكثير من الشخصيات التي تظهر في مشاهد معدودة، ليثري العمل من ناحية، ويضعفه من ناحية ثانية، فوجود كل هؤلاء النجوم الذين سبق أن ذكرناهم، وزد عليهم أحمد فؤاد سليم (جلياس)، وصبري فواز (الوزير اليهودي عرموش)، وجميل برسوم (الأسقف)، وأحمد وفيق (دريس).. بجانب بسنت شوقي (سونيا)، وريم مصطفى (تنسيم). عمل ثري المضمون يستحق ثراء في أسماء الممثلين وتنافساً قوياً وتكاملاً في الأداء.. وبراعة في الإخراج تؤكد مجدداً تميز المخرج عمرو عرفة، الذي قدم لنا مشاهد التوأم نور ونار، بممثل واحد محمد فراج من دون أخطاء، أو عيوب تذكر؛ ويمكن القول إن المخرج منح الفيلم القيمة التي يستحقها بحرصه على أدق التفاصيل في الديكور، والأزياء، والمشاهد القتالية..

تستمتع بمشاهدة «أهل الكهف»، من دون أن تفارقك كلمة «لكن»، إذ تتساءل عن سبب إقحام شخصية عرموش اليهودي بهذا الشكل «غير المقنع»، الرمزية فجّة، والرسالة واضحة ويلتقطها المشاهد سريعاً، وهي أن اليهودي عبر التاريخ، ومنذ الأزل خبيث، ومتلون، ووصولي، ودموي.. إنما كان من الأفضل تمرير الرسائل بمضمون أعمق يترك أثراً في النفس من دون أن يبدو ساخراً سطحياً، فالخبيث يكون متمكناً، وباطنياً يجب أن ننخدع فيه كمشاهدين تماماً مثل انخداع الملك فيه.. كذلك جاءت بعض الشخصيات كوميدية ربما لتلطيف أجواء العمل، وإن كنا نراه مكتملاً بلا كوميديا، مثل شخصية مليخا الراعي، ونار الساخر من كل شيء، عكس شقيقه نور المتزن، والمتعمق في أمور الحياة، والدين.

ذروة العمل

لا شك في أن الجريمة البشعة التي تحصل في قصر الملك وتَوافقه فيها مع الأسقف، هي قمة وذروة هذا العمل، جريمة تقضي على الشعارات الطنانة، إنذار مهم وشخصيات تقلب الموازين، صدمة تضيء للمشاهد على أهمية فصل الدين عن السياسة، وأن البعض يتاجر بمنصبه ويتم استغلال الدين أبشع استغلال وتحويله إلى تجارة ومكاسب شخصية يتم تفصيلها على مقاسات أشخاص.

خالد النبوي ومحمد ممدوح، يرتقيان بدور القائدين الرومانيين، اختيار مناسب للنجمين، وقد شكّلا ثنائياً جيداً، كذلك تألقت ريم مصطفى، وبسنت شوقي، وغادة عادل، في أدوارهن، ونجح فراج في اللعب على التناقض بين نور ونار، وترك بيومي فؤاد بصمة متميزة في هذا العمل بدور الملك الخبيث المتلون الذي يظهر عكس ما يبطن. تستمتع بمشاهدة الفيلم وفي الوقت نفسه، تشعر بأن هناك ثغرة ما تجعلك تنتظر منه المزيد كي تتشبع، فبعض المشاهد يطول فيها الحوار، وتتكرر المواقف، بينما مشاهد أخرى كانت تحتاج إلى توسع أكثر في مضمونها، وإبراز شخصياتها لتثري العمل أكثر، ونحن لا نقصد المقارنة بين «أهل الكهف» وأعمال عالمية من النوعية التاريخية، والفلسفية، الحياتية، نفسها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrywzs7z

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"