تباطؤ الاقتصاد

21:27 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة*

لا خروج من التباطؤ الاقتصادي العالمي الحالي إلا عبر سياسات تعالج الخلل الثلاثي التالي، مما يسمح بتطوير القطاع الخاص والثقة به تعزيزاً لفرص الازدهار الطويل الأمد:

أولاً: لا تكفي معالجة مشاكل سلاسل الإمدادات التي أتت مع كورونا وما زالت موجودة وإن يكن بنسب أقل. المطلوب معالجة مشاكل الإنتاجية في كل دولة وعبر سياسات مشتركة لأن المشاكل تتشابه والتعاون مفيد للجميع. تحاول الولايات المتحدة اليوم معالجة مشاكل البيئة متكلة على قانون جديد سمح للحكومة بإنفاق الأموال على الصناعات الجديدة النظيفة. هنالك أجواء تدخل حكومي في الاقتصاد لم تكن موجودة حتى في فترة أوباما. فالانتخابات الرئاسية القادمة ستحسم الصراع بين الليبيرالية الكلاسيكية الممثلة ب«هاريس» والسياسات الصناعية الممثلة ب«ترامب».

ثانياً: لا بد من إصلاح قوانين العمل وممارستها عن قرب أو بعد. مع كورونا زاد العمل عن بعد وهنالك من يريد إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل التغيير المهم. يقولون إن الإنتاجية تأثرت سلباً. ممكن، لكن العالم وفر الكثير على صعيد تكلفة النقل كما أعطى الإمكانية للسيدات للعمل من المنزل والاهتمام بالأطفال، وبالتالي ينعكس هذا الأمر إيجاباً على الأجيال المستقبلية. وفر على الأسر تكاليف العناية الداخلية الناتجة عن غياب الأهل عن المنزل كل فترات النهار. إنتاجية الموظف الأمريكي أعلى من الأوروبي، وهذا صحيح لكنه عائد إلى أن العامل الأوروبي يعطل أكثر من الأمريكي وبالتالي الأرقام ليست كل شيء. باختصار، العمل من المنزل عندما كان ذلك ممكناً أثر في حجم الإنتاج مما انعكس سلباً على الناتج المحلي الإجمالي. لكن النتائج الرقمية ليست كل شيء، إذ إن مؤشرات السعادة الإنسانية لا تدخل فيه، وهي حتماً تتأثر إيجاباً بالعمل عن بعد.

ثالثاً: الإصلاحات المالية وهي في غاية الأهمية وتؤثر في الدخل والاستهلاك والاستثمار كما في الاقتراض. النموذج الشرق أسيوي لم يعد صالحاً. سابقاً قامت الدول المعنية بدعم الشركات الصناعية الكبيرة القابلة للتصدير بسخاء ونجحت في ذلك في غياب المنافسة الخارجية الجدية كما في غياب القوانين الدولية المعرقلة. نمو اليوم مرجح أن يأتي من الخدمات والشركات الناشئة والصغيرة وليس من الشركات الصناعية الضخمة. تبقى الإصلاحات المالية ضرورية لتسهيل عمليات التمويل ووقف الكوارث المؤدية لسرقة ودائع المواطنين. ضمان كل الودائع عبر نظام تأميني متطور يمكن أن يحل المشكلة لأن التهور المصرفي سيستمر مهما كانت الحواجز القانونية التي تقف في وجهه.

يبني العالم اقتصاده متكلاً على معطيات ومفاهيم جديدة وبالتالي التقلبات الاقتصادية منتظرة خلال هذا الفترة. تحديات الاقتصاد العالمي متشعبة أي قانونية وتكنولوجية وبيئية وإنسانية وإنتاجية ولا حلول إذا لم يتكاتف المسؤولون لوضع قواعد للعبة الجديدة ضمن المؤسسات الموجودة من أمم متحدة وبنك وصندوق نقد دوليين. الحروب المشتعلة اليوم وإن كانت محصورة جغرافياً هي تؤثر بقوة في الإنتاج وفي التبادل التجاري الذي يزدهر في فترات الاستقرار وينخفض في فترات التقلبات والتشنجات.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n947xhe

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"