لماذا تتكرر الأزمات المصرفية؟

22:19 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة*

بعد أزمة 2008، قررت الإدارة الأمريكية إعفاء المصارف التي يبلغ حجم أصولها أقل من 250 مليار دولار من الرقابة الدقيقة الدورية. حجم أصول مصرف «SVB» المفلس في كاليفورنيا بلغ 209 مليارات دولار وبالتالي لم يكن مراقباً بدقة. لو لم تحصل تلك الإعفاءات، لربما بقي مصرف «SVB» عاملاً. كان من المفروض الطلب من المصرف تعزيز رأس ماله ضمن رقابة موضوعية أشد وأدق. بعد رفع الفوائد المتواصل من قبل المصرف المركزي الأمريكي لمحاربة التضخم، تأثرت ميزانية المصرف من ناحيتي الودائع والأصول. من ناحية الودائع، زادت كلفة خدمتها، ومن ناحية الأصول تتحرك قيمة السندات التي يملكها باتجاه معاكس للفوائد لذا أصبح المصرف يخسر.

أفلس مصرف «SVB» وتبعه مصرف «Signature» وانتقلت الأزمة إلى أوروبا وسويسرا تحديداً. خوفاً من أزمة مصرفية كبيرة وشاملة، قرر الرئيس بايدن ضمان كل الودائع أياً كان حجمها. هل كان القرار حكيماً؟ من أين ستأتي الأموال لتغطية الخسائر وما هي السياسات الجديدة التي يمكن اعتمادها لمعالجة أزمات مصرفية مستقبلية مماثلة؟

مع أن هناك ودائع مصرفية كبيرة غير مضمونة في مصرف SVB قرر بايدن حمايتها خوفاً من أن تنتقل الأزمة إلى المصارف الأخرى بسبب قلق المودعين وخوفهم على أموالهم. بهذه الطريقة وتجنباً لامتداد الأزمة، أوقفها بايدن بالرغم من تحذير بعض خبراء الاقتصاد من أن اعتماد هذه السياسات الإنقاذية سيشجع على التكرار كما يتناقض مع ركائز النظام الاقتصادي الحر. المودعون لم يتضرروا، أذاً، لكن من دفع ثمن الإهمال؟ خسر أصحاب الأسهم كل شيء كما المديرون الذين فقدوا وظائفهم. هذا لم يحصل خلال أزمة 2008 لكن تحقق اليوم وهذا تقدم ردعي كبير.

ستأتي أموال الإنقاذ من مؤسسة ضمان الودائع وليس من الموازنة. من يمول المؤسسة؟ المصارف نفسها وليس دافعو الضرائب. إلا أن الحذر المنطقي يشير إلى أن المصارف ستحول مصاريفها الإضافية الجديدة إلى المودعين وبالتالي تعود الكلفة اليهم. ما هي الحلول المستقبلية الممكنة؟ من الأفكار المطروحة ضمان كل الودائع وبالتالي على المودعين تحمل كلفة أقساط التأمين تماماً كما يحصل مع الضمان الصحي والآليات وغيرها. من الممكن رفع قيمة أقساط التأمين تصاعدياً مع حجم الوديعة. من الأفكار المطروحة إعطاء قروض عامة مدعومة للمصارف المتعثرة كي تحسن أوضاعها. لكن ماذا يحصل إذا لم يتحقق التصحيح وبقي المصرف متعثراً؟ هناك من يعتقد أن حماية المصارف تأتي على حساب محاربة التضخم. هذا يعني أن رفع الفوائد لمحاربة التضخم يؤذي ميزانيات المصارف وبالتالي تتشكل علاقة سلبية بين السياستين.

بعد أزمة 1907 في الولايات المتحدة تأسس المصرف المركزي، لكن الأزمات تكررت بسبب ضعف القرارات وعدم جدية الرقابة كما بسبب التهور الإداري. أما اليوم ومع كل الإصلاحات والتجارب والقوانين والقواعد، ستتكرر الأزمات المصرفية بسبب التقدم التكنولوجي وصعوبة تطبيق الرقابة على الإبداع والتجدد. من الممكن أن تكون النتائج السلبية المستقبلية للأزمات المصرفية أقسى وأوسع وأكثر كلفة.

*كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3snfsjrk

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"