المنافسة لضرب التضخم

21:29 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة*

يبلغ حجم الناتج المحلي التركي نحو ألف مليار دولار وهو الاقتصاد التاسع عشر دولياً. راقب العالم بدقة ما فعلته حاكمة المصرف المركزي السابقة «اركان»، خاصة في علاقات دولتها مع صندوق النقد الدولي الذي تحتاج إليه للقضاء على التضخم، وإنقاذ الليرة، وتصحيح الاقتصاد. تعاني تركيا أيضاً نقصاً في الاحتياطي النقدي استعمل للدفاع عن سعر صرف الليرة. وقال الرئيس أردوغان إن أفضل سياسة لمحاربة التضخم هي تخفيض الفوائد، وليس رفعها، ما يعيدنا إلى نظريات الاقتصادي «ارفينغ فيشر». وقال أردوغان إن تخفيض الفوائد يشجع على الاستثمار، وبالتالي يحدث نمواً يرفع العرض، ويقوّي النقد، وبالتالي يقضي على التضخم.
هنالك أفكار تسوّق للحريات كوسيلة لمحاربة التضخم. تسوّق لرفع القيود عن تصرفات المواطنين والشركات، ما يسمح بزيادة الإنتاج، وبالتالي تخفيض التضخم. إن تطوير الحريات يسمح للفرد بإعطاء أفضل ما عنده، لكن في الوقت نفسه يمكن أن يؤدي إلى بعض التصرفات المرفوضة. نريد أسواقاً حرة بعيدة عن الاحتكارات التي تضرب حقوق المواطن، وترفع الأسعار. نريد أسواقاً حرة تسمح للشركات الصغيرة بالنهوض، ولا تكون فريسة للشركات الكبيرة التي تتوسع عبر استيعابها، وإلغائها. في القطاع التكنولوجي المبني على الإبداع والتجدد، هنالك شركات كبيرة تسيطر على الأسواق. هذا موجود في أسواق الذكاء الاصطناعي الذي يدهش العالم، ويخيفه في الوقت نفسه. وتظهر الدراسات على مدى السنوات، أنه عندما تسيطر أقلية على أسواق ما، يحدث قمع للحريات الاقتصادية، وحقوق المواطن. تعزيز الحريات الاقتصادية هو إحدى الوسائل الفاعلة لضرب التضخم.
وللقضاء على التضخم هنالك سياسات ترفع الإنتاجية مستفيدة من تطور التكنولوجيا والذكاء، لكن يجب تقييد الذكاء الاصطناعي حتى لا يأخذ مكان الإنسان في المهام الأساسية. المطلوب تشريعات تحمي حقوق المواطن، وخصوصياته، حتى لا يصبح مكشوفاً. لا يمكن ترك مستقبل المجتمع في يد شركات كبرى يهمها نفسها، وتقضي على الحريات وبالتالي تدخل التضخم إلى شرايين المجتمعات.
ترك المجتمعات لقرارات الشركات الكبرى يضرب حقوق المواطن. وتنتج الشركات الكبرى ما يهم، أو يريد الميسورون، لزيادة الأرباح وتقليل الإنتاج. تكون عندها الخيارات أقل بكثير أمام المستهلك العادي، بخاصة الفقير. تتوجه الشركات الكبيرة إلى من يستطيع الإنفاق أكثر. ولا يهمها مجموع الإنفاق، بل إنفاق المستهلك الواحد، ما يعني كلفة إنتاج أقل وأرباح أكثر. وفي سنة 2017، كان هنالك 36 نوع سيارة سعر الواحدة أقل من 25 ألف دولار، تشكل 13% من المبيعات. وفي سنة 2022، كان هنالك 10 أنواع سيارات سعر الواحدة منها أقل من 25 ألف دولار وشكلت فقط 4% من المبيعات. هذا يعني أن شركات السيارات تتجنب إنتاج السيارات الرخيصة لكلفتها العالية مقارنة بسعر مبيعها. وتستفيد الشركات المصنعة أكثر بكثير من إنتاج أعداد سيارات أقل، باهظة الثمن لمجموعة محددة من الزبائن. أرباحها تكون أعلى بكثير. ويتوجه العالم اليوم لمصلحة الأغنياء، ما يسبب التضخم ويوسع فجوات الثروة والدخل.
* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5bzeaewd

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"