فلسطين التاريخية في مواجهة الكيان الصهيوني

04:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
إلياس سحاب

يبدو المشروع الصهيوني في أرض فلسطين التاريخية، وكأنه قد وصل إلى خواتيمه، أي إلى ذروة اكتماله كما خططت له الدوائر الاستعمارية الأوروبية منذ القرن التاسع عشر، وكما خططت لها الحركة الصهيونية منذ مؤتمرها الأول الذي انعقد في سويسرا (بازل) في العام 1897:
1- فأرض فلسطين التاريخية واقعة بكاملها تحت الاحتلال الصهيوني منذ ما يقارب نصف قرن. وها إن نصف قرن سيمر على استكمال الحركة الصهيونية لاحتلال ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية في العام 1967، دون أن يحرك المجتمع الدولي أي ساكن لمعالجة آثار الجريمة الأصلية التي ارتكبت في العام 1948، ودون نجاح أي من ردود الفعل العربية، الرسمية أو الشعبية، في استرداد شبر واحد من أرض فلسطين، كامل الاستقلال والتحرر.
2- ها إن مشاريع تهويد القدس وبقية أرجاء الضفة الغربية تكاد تصل إلى نهاياتها بعد أن وصلت حركة الاستيطان أقصى مداها في منطقة الغور، أي في أقصى شرق أرض فلسطين التاريخية من جهة، وبعد أن كادت القدس العربية تفرغ من الآلاف القليلة الصامدة من سكانها الأصليين العرب.
3- أما غزة، ورغم انسحاب القوات «الإسرائيلية» منها منذ سنوات، فإنها ما زالت عملياً خاضعة خضوعاً كاملاً للاحتلال الصهيوني، فتعامل بعملته (الشكيل)، وتعيش تحت حصار «إسرائيلي» - مصري كامل، محرومة من امتلاك ميناء حر ومطار حر، ومن التمتع بأبسط مقومات الحياة الحرة الكريمة في مستلزماتها المادية.
4- أما بالنسبة للوضع العام للضفة الغربية، فها إن الحكومة «الإسرائيلية» والسلطة الفلسطينية تصدران إعلاناً مشتركاً، إلى أن ما سبق أن حررته أمنياً من بعض أراضيها ومدنها اتفاقية أوسلو، فوضعتها تحت فئة «الأراضي أ»، أي المستقلة أمنياً عن «إسرائيل» قد استعادت السيطرة الأمنية عليه «إسرائيل» منذ العام 2002، وتفكر الآن في احتمال (ضعيف جداً) لإعادة السيطرة الأمنية للسلطة الفلسطينية على هذه الأراضي، تعاوناً بين «إسرائيل» والسلطة، في التخلص من آثار الهبة الشعبية الأخيرة.
إنها صورة مكتملة لسقوط فلسطين التاريخية جغرافياً وسياسياً تحت النير الكامل للاحتلال الصهيوني، ولا يزيد من قتامة هذه الصورة، سوى الصورة الساخرة التي تواجه بها «إسرائيل»، دعوة فرنسية أخيرة، لإعادة تحريك اقتراح حل القضية الفلسطينية عن طريق العودة عملياً إلى مشروع إقامة دولتين متجاورتين، تحمل إحداها اسم فلسطين على ما يقل عن عشرين بالمئة من أراضي فلسطين التاريخية.
لكن هذه الصورة، رغم سوادها، ورغم ما تتمتع به من سيطرة كاملة على الأمر الواقع، ليست وحدها التي تمثل عناصر الأمر الواقع، فها هي هبة شعبية فلسطينية تشمل أنحاء فلسطين التاريخية، من يافا إلى القدس إلى بقية أرجاء ومدن الضفة الغربية، تثور منذ أشهر في وجه كل السلطات القائمة: سلطة «إسرائيل»، والسلطة الفلسطينية، وتثير قلق السلطتين وحيرتهما، ولا تملك أي منهما القدرة على السيطرة على هذه الهبة، حتى لا تشمل كل أرجاء فلسطين التاريخية، أو حتى يخفت صوتها قليلاً، فلا تستمر بالتصاعد، حتى تتحول إلى انتفاضة شعبية كاملة، بكل معنى الكلمة.
منذ أشهر، وربما قبل أيام من صعود الهبة الشعبية الفلسطينية الأخيرة، عقد اجتماع لعدد من الهيئات الأمنية «الإسرائيلية»، للبحث في المخاطر الوجودية التي تهدد «إسرائيل».
يومها، طلب الكلام رئيس سابق للاستخبارات «الإسرائيلية»، فقال للمجتمعين:
«هل تعرفون ما هو الخطر الوجودي الأساسي الذي يهدد «إسرائيل»، قد يقول البعض إنه احتمال امتلاك إيران للقنبلة النووية، لكن أقول لكم: لا، إن الخطر الوجودي الأساسي الذي يهدد «إسرائيل»، هو فلسطين».
هذا هو الواقع بكل عناصره، فكما تبدو فلسطين كلها واقعة تحت اكتمال المشروع الصهيوني الاستعماري على كل أرضها التاريخية، يحيط بها وضع عربي رسمي ينصرف انصرافاً كاملاً عن كل ما يتعلق بأساس القضية الفلسطينية، وأساس الجريمة التي ارتكبت عن العام 1948، فإن نظرة عميقة إلى حقيقة ما يجري على أرض فلسطين يؤكد أن المواجهة التاريخية الجذرية ما زالت قائمة بين الوجود المسلح للمشروع الصهيوني وكيانه المصطنع من جهة، وبين فلسطين التاريخية من جهة ثانية: أرضاً وشعباً، وهي المواجهة الأشد خطورة التي تثير الهلع والخوف في أعماق المشرفين على أمور الكيان الصهيوني، مهما، طال الزمن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"