«مسيرات العودة» إلى «تهدئة» 2014

02:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

عشر جولات صاروخية من القصف المتبادل خلال سنة أي 53 يوم جمعة منذ بداية مسيرات العودة، أسفرت عن مقتل جندي «إسرائيلي» واحد وجرح12، وإصابة 15 مستوطناً بجروح في الجانب «الإسرائيلي»، وتلقى «الإسرائيليون» 1252 صاروخاً وقذيفة هاون، فيما شن الاحتلال غارات جوية في أماكن فارغة وقصف بالمدفعية لكن الخسائر البشرية كانت برصاص القنص على السياج الحدودي حيث سقط 275 شهيداً وأصيب قرابة ستة آلاف بجروح بليغة ومتوسطة، وتعرض 124 جريحاً لبتر أطراف ودمرت مبان وحقول ومزارع.
وبلغت الأزمة ذروتها قبل الانتخابات «الإسرائيلية» لأن حركة حماس انتهزت الفرصة لنيل بعض مطالبها وإرضاء الناس، حيث إنها في تفاهمات الهدوء مقابل الهدوء التي أسفرت عن إدخال الأموال القطرية لصرف رواتب موظفيها أثارت حنق الناس في غزة لأنها لم تأخذ مطالبهم بعين الاعتبار، فأعادت حركة حماس التصعيد المنظم بقدر محدود حتى لا تتعرض لحملة اغتيالات كان الاحتلال يخطط لتنفيذها كبديل عن حرب شاملة قد تستمر طويلاً، ونتنياهو لا يريدها في هذا التوقيت الحساس انتخابياً. وكانت الأيام الاخيرة قبل الانتخابات فرصة ذهبية لهذا التصعيد، وتبادل القصف الصاروخي دون دماء ما يعني أن الطرفين غير معنيين بالتصعيد، فنتنياهو لا يريد الخروج للحرب وإلا غاص في رمال غزة وحماس تراهن على ذلك وتستفزه برسائل صاروخية مشفرة منها اثنان سقطا قرب تل أبيب والآخر في شمالها الشرقي. وليس صدفة أنها اختارت إطلاق الصاروخين أثناء وجود الوفد الأمني المصري في غزة وإطلاق الصاروخ الأخير أثناء وجود الوفد في تل أبيب لكي يتوسط لمنع التصعيد وينقل الرسائل المتبادلة والمطالب والردود. فالطرفان كانا يستنجدان بالوسيط المصري، بل ذهب نتنياهو إلى تأييد رواية حماس في أنها لم تطلق الصواريخ عمداً بل أطلقت عن طريق الخطأ البشري تارة والأحوال الجوية ثانياً، فهو أراد تسويق فكرة أنه لم يتعرض للقصف البعيد المدى عن قصد حتى لا يحرج حملته الانتخابية. وقد لمست حماس استعداد نتنياهو لتلبية مطالبها وهي في المجمل العودة إلى الوضع قبل مسيرات العودة أو بالتحديد إلى اتفاق تهدئة 2014 الذي تم التوصل إليه في القاهرة برعاية مصرية، وكان بين السلطة الفلسطينية والاحتلال بإغراء إضافي هو الأموال القطرية التي تضاعفت إلى 40 مليوناً شهرياً مع تعهد قطر بدفع فاتورة الوقود والكهرباء.
وما عدا ذلك لا جديد، لكن طلب حماس الأكبر ولم تحصل عليه هو أن يتم التوقيع على اتفاق تهدئة أشمل وتكون هي الطرف الموقع عليه وأن تأخذ موافقة على إدارة المعابر من قبل شرطتها بدلاً من الحرس الرئاسي التابع للسلطة، بمعنى آخر الحصول على اعتراف بسلطتها كأمر واقع وتكون دولة قطر الراعية للكيان الناشئ في غزة بموافقة «إسرائيلية»- أمريكية، حيث إن قطر لا تصرف حالياً دولاراً إلا بموافقة أمريكية و«إسرائيلية».
عملياً انتهت «مسيرات العودة» التي كانت انطلقت بمبادرة شبابية في ذكرى يوم الأرض في الثلاثين من آذار/مارس من العام الماضي لتذكير العالم بحق العودة واللاجئين، وسرعان ما انضمت الفصائل إليها، ولما نجحت المسيرات رغم الدماء التي سالت فيها سيطرت حركة حماس عليها وأخذت توجهها وفقاً لمصالحها الحزبية الضيقة التي لم تعد لتذكير العالم بقضية اللاجئين وحصار الولايات المتحدة مالياً لوكالة غوث اللاجئين كما أعلن منظموها في البداية ولا الزحف إلى القدس بل استمطار المال القطري والحصول على مكاسب تتيح لحركة حماس الخروج من أزمتها المالية.
والسؤال هو: هل سيلتزم نتنياهو بما اتفق عليه وهو الذي تراجع عن تفاهمات سابقة! فهو يريد الوصول إلى موعد الاقتراع والهدوء يسود الحدود! الكثير من المحللين يتوقعون أنه سيتهرب من التزاماته لاحقاً في حال فوزه، أو يتقدم بمطالب أكبر في مقدمتها نزع سلاح حماس، ربما لأن «صفقة القرن» تفترض نزع سلاح حماس كمقدمة لإنعاش غزة التي سيتم الإعلان عنها بعد الانتخابات طبقاً للتصريحات الأمريكية. فالمشهد كان في «يوم الأرض» غريباً حيث نشرت حماس ألفاً من عناصرها بسترات برتقالية لتمييزهم من قناصة الاحتلال وكانت مهمتهم إبعاد المتظاهرين عن السياج، وبعدها أشاد الاحتلال بالأداء الميداني وسيوافق على مطالب حماس المذكورة آنفاً بعد أن تلقت حماس موافقة من وزير الخارجية القطري تفيد بأن قطر سترفع مساعداتها المالية إلى أربعين مليوناً حتى نهاية العام. واختصر مسؤول «إسرائيلي» المشهد بقوله «يهمنا أن تبقى حماس ضعيفة والسلطة الفلسطينية كذلك». وحدث ما يتمناه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"