عادي
مدار الفوضى

تغير المناخ وجغرافية العنف الجديدة ... (4-4)

02:40 صباحا
قراءة 10 دقائق

تأليف: كريستيان بارينتي / عرض: عبدالله ميزر

تشهد البشرية زيادة في حدة أزماتها، التي يشكل الفقر والعنف أخطرها . ورغم بؤس الراهن، لم تبادر الدول الاقتصادية الكبرى بشكل حقيقيّ إلى حلّها، بل كان بعضها السبب في الوضع المتردي للعديد من الدول الفاشلة . وما زاد الكارثة هو تغيّر المناخ الذي يشكل الخطر الأكبر، ويسميّها الكاتب مع الفقر والعنف التقارب الكارثيّ، الذي يتسبّب في زيادة وتيرة الهجرات ومستوى العنف العرقيّ والدينيّ والطائفيّ على المستوى المحليّ والدوليّ .

يناقش كتاب مدار الفوضى الكوارث البيئيّة والاجتماعيّة الناتجة عن أزمة المناخ . يبدأ من قصة الرجل الكيني إيكارو لورومان الذي قُتل على يد رجال من قبيلة بوكوت المجاورة، حيث يكون الهجوم على أرض وقطعان الآخرين سبيلاً لاستمرارهم في الحياة في مواسم الجفاف . ومن هناك يقوم بجولة في دول إفريقية عديدة، ليجد أن العنف أصبح روتيناً يومياً، ثم يتحول إلى الهند وباكستان وقيرغزستان وأفغانستان، ليعاين هناك تاريخاً من الدماء المستباحة والتمردات العنيفة والحروب الدموية . يكشف لنا عن تصاعد الأصولية الدينيّة من جراء تدهور الوضع الإنسانيّ المقلق .كما نجده يتنقل وسط أجواء من العنف المرعب في أحياء المكسيك والبرازيل، حيث أجبر الناس على العمل في تهريب المخدرات والأسلحة .

يتناول الكاتب في بحثه القيّم والمهم هذا تاريخاً من الأزمات الناشئة مع عسكرة الحرب الباردة والسياسات الرأسمالية النيوليبرالية، وفي النهاية يقدم اقتراحات للحد من تغيّر المناخ .

الكتاب صادر عن دار نيشن بوكس البريطانية في (295 ص) من القطع الكبير 2011 . والمؤلف يحمل شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من مدرسة لندن للاقتصاد، يكتب في أهم الصحف والمجلات الإنجليزية، وله مؤلفات سابقة منها القفص الناعم والحرية .

في القسم الرابع والأخير من الكتاب يتناول الكاتب العنف في أمريكا اللاتينية وتأثيرات التغيّر المناخي فيه، إضافة إلى السياسات الاقتصادية الفاشلة، كما يقف على العديد من الحوادث العنيفة في دول لم يغادرها الفقر والعنف طيلة عقود، إضافة إلى الإمكانات التي يمكن أن تقوم بها الدول الرأسمالية في سبيل الحد من تغير المناخ . ويشير إلى الشركات والمؤسسات التي تضغط على الحركات المطالبة بالحد من تغيّر المناخ، التي لايقف أمرها عند هذا الحد بل تعمل على ترويج معلومات تضليلية على نحو كبير .

المعاناة في البرازيل

يتناول الكاتب في الفصل الأول بعنوان معاناة ريو: من الأجواء القاسية إلى كوكب من الأحياء الفقيرة الحالات اليومية للعنف وزيادة دخول الشباب في عصابات تهريب المخدرات والسلاح، والهجرات الكبيرة من الريف إلى المدينة، ويركز هنا على ثاني أكبر المدن البرازيلية ريو دي جانيرو، ويتساءل: لماذا هناك العديد من الناس في مدينة ريو دي جانيرو؟ لماذا هذه المدينة على هذه الدرجة من العنف؟ وماذا يمكن لتغيّر المناخ أن يفعل لمدن مثل ريو؟

يرى الكاتب أن أكثر التحولات الدراماتيكية خلال السنوات الخمسين الماضية كانت التحضر السريع لكوكبنا، والعملية قيد الاستمرار، ويساعدها في ذلك تغيّر المناخ الذي يزيد هجرة السكان من الريف إلى المدينة، ومدينة ريو في حد ذاتها تسمح للمرء بتوقع قضايا سياسية مرتبطة مع تغيّر المناخ، لأنها بشكل أو آخر مدينة من نتاج الظروف الجوية السيئة . وكذلك ساهم الجفاف والفيضانات المتكررة على بعد مئات الأميال من ريو في شمال شرقي البرازيل في زيادة نموها . وكلما اتجهت الظروف الجوية نحو الفوضى نتيجة الاحتباس الحراري، كلما زادت نسبة الهجرة من الريف إلى المدينة .

ويرى الكاتب أن الضغط الاجتماعي والاقتصادي في المدن يدفع بالمهاجرين الجدد إلى العمل في أعمال غير قانونية، وهنا تمارس الدولة قمعاً وعنفاً جنائياً تجاههم باستراتيجية تبدأ أولاً برجال الشرطة الذين يشنون حملات على العصابات، عدا عن تأسيس قواعد دائمة للشرطة ودوريات مستمرة .

ويشير الكاتب إلى أن العلماء يجدون أن أزمة العنف في البرازيل ترتبط بجذورها التاريخية في ما يتعلق بالعبودية والغزو الحدودي، ويجده صحيحاً، إلا أنه يجد أصولاً أحدث تحرّض على العنف وتزيده تتموضع في اللامساواة الاقتصادية الحادة والصراعات الطبقية العنيفة . ويرجع إلى تاريخ القمع في البرازيل، خاصة منظمات العمال التي واجهت قمعاً شديداً لمطالبتها بحقوق العمال . يتحدث عن أقسى الفترات من 1964 حتى ،1985 التي عانت فيها الدكتاتورية العسكرية الصارخة وعقداً من الحرب القذرة، ومنذ تلك الفترة تحدث تمردات تواجه بقمع كبير، حتى أن أكبر عصابة في البرازيل كوماندو فيرميلو التي تأسست في سجن كانديدو مينديس في منتصف سنوات السبعينات ضد الدكتاتورية العسكرية والاستغلال الاقتصادي، ليست قوية اليوم كما كانت، فأغلب قادتها إما اعتقلوا أو ماتوا، والعديد ممن قاموا بعمليات الخطف في تلك الفترة مثل فيرناندو غابيرا الذي هو صحفي مشهور وسياسي يساري، والفيلم السينمائي أربعة أيام في سبتمبر يدور عن حادثة الاختطاف التي نفذها فيرناندو، يشير إلى السياسات العنيفة المتطرفة المتمثلة في فرق الموت والتعذيب والتمثيل بالجثث، حتى وصل بهم الأمر إلى اعتقال من يملك غيتاراً أو يطيل شعره . يتطرق الكاتب إلى فترة الاحتجات العنيفة في سنوات الثمانينات، حيث وصل الاقتصاد البرازيلي إلى الحضيض، ومازاد في وتيرتها سياسة الحكومة التقشفية، المتمثلة في قطع الخدمات العامة، والمساعدة عن الفقراء ودعم الصناعة . يجد أن البرازيل حينها كانت تدخل مرحلة من إعادة الهيكلة الاقتصادية المؤلمة، حيث بدأت تتبع الاقتصاد النيوليبرالي . ويرى أنه إذا ما أردنا أن نفهم التقارب الكارثي في البرازيل، لا بد أن نفهم أولاً الأزمة التي أسست للعنف والفقر، وأضيف إليهما تغيّر المناخ المتسارع .

عصابات المخدرات في المكسيك

يبدأ الكاتب حديثه عن المكسيك بكلمات أقرب ما تكون لكلمات الرثاء . يشعر القارئ بقفر الصحراء وبرودتها من خلال كلماته المفعمة بوصف متألم . والمثير للدهشة أن الكاتب خرج مع إحدى الدوريات العسكرية في المنطقة التي تشهد حالات من العنف، طافوا في المنطقة الحدودية بانتظار مواجهات مع رجال العصابات وتجار المخدرات . ويذكر أنه في تلك المنطقة قتل ما يقارب ثلاثين ألفاً منذ 2006 في حرب المخدرات .

يقول الكاتب: يمكن للوهلة الأولى ألا نجد أن العنف على الحدود بسبب المخدرات لايرتبط مع تغير المناخ، لكن وبنظرة أعمق، نجد أن له ارتباطاً وثيقاً، ذلك أن الانهيار في شمالي المكسيك يقدم توضيحاً آخر على التقارب الكارثي، الذي يخلق أنماطاً تدميرية في التكيف من الناحية الاجتماعية .

وبحسب الدراسات التي يستشهد بها الكاتب فإن التأثيرات الأخطر لتغيّر المناخ ربما تكون في المكسيك على الهجرة البشرية، وينقل الكاتب مشاهداته وبعضاً من حواراته مع المتضررين بشكل مباشر من التغيّر المناخي، حيث يدخل في التفاصيل التي تؤدي بشكل مباشر إلى دفعهم إلى الهجرة والتخلي عن حياة الريف والتوجه إلى المدينة .

يذكر الكاتب أنه في ديسمبر/كانون الأول ،2008 وصفت مجلة فوربس دولة المكسيك بأنها دولة فاشلة . أما قيصر المخدرات باري مكافري فكتب في مذكراته أن المكسيك تصارع لأجل النجاة بنفسها من الإرهاب المرتبط بالمخدرات .

يشير إلى أن الحكومة المكسيكية تواجه على الدوام هجمات مستمرة وضغوط من العصابات الإجرامية وعصابات المخدرات . وأي سير نحو الفوضى، يقتضي بالضرورة تدخل القوات الأمريكية، وهذا يهدد الأمن القومي المكسيكي بالكامل .

يذكر أن إحدى الجرائد المكسيكية الدياريو كتبت في إحدى افتتاحياتها مخاطبة لوردات تجارة المخدرات: ماذا تريدون منا؟ وفي جزء آخر منها: أنتم الآن السلطات الحقيقية في هذه المدينة (جواريز)، لأن السلطات القانونية لم تكن قادرة على وقف زملائنا من السقوط .

يؤكّد الكاتب أن المكسيك ليست بدولة فاشلة، لكنها تعيش أزمة من العنف لا شكل لها، وغياب القانون يمنع أي استجابة عقلانية لهذه الأزمة، أو تحقيق تكيف متدرج مع تغيّر المناخ . ويرى أنه من الصعب رؤية هذا التركيب الاجتماعي ناجياً من هذه التغيّرات المناخية في السنوات الخمسين القادمة إذا ما استمرت الانبعاثات الكربونية على الوتيرة نفسها من دون أن يتم تخفيف استهلاك الوقود المستخرج .

وبلغة مشبعة بالأسف يقول الكاتب: أرض المليارديرات والجماهير الجائعة، التي تشهد جفافاً وفيضانات، مؤسساتها وتركيبتها الاجتماعية مصابة بشر الفساد المميت المرتبط بالمخدرات . وفي ظل هذه الأوضاع، لايمكن لأحد أن يتكيّف مع ارتفاع مستويات مياه البحر، والظروف الجوية القاسية، وانخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية .

الحدود الأمريكية وتغيّر المناخ

يشير الكاتب في الفصل الثالث من هذا القسم إلى أن تغيّر المناخ سوف يزيد بالضرورة تدفق المهاجرين المتسللين عبر الحدود إلى الولايات المتحدة، فحسب التقديرات والتقارير سيهاجر 250 مليون شخص من أصل مليار بسبب التغيّر المناخي في ،2050 وفي النصف الثاني من هذا القرن سيخلق التغير المناخي أضعاف الأعداد المذكورة من اللاجئين، وفي ظل الفوضى والحرب على عصابات المخدرات، وإرهابهم المتزايد، ستكون الحدود الأمريكية الملاذ الآمن للمتضررين من التقارب الكارثي المتمثل في الفقر والعنف والتغيّر المناخي، وهذا سيشكل تهديداً كبيراً لأمن الولايات المتحدة واقتصادها، ومشكلة تدفق المهاجرين من المكسيك إلى الولايات المتحدة قديمة، وتعاني منها الولايات الأمريكية دائماً، ومن المتوقع أن تعود مواسم كثرة المهاجرين الجدد بقوة . ولذلك ورغم أن الحدود محكمة بشبكات مراقبة متطورة، إلا أنه تجنباً للكوارث المستقبلية تحتاط الولايات المتحدة ببناء شبكات مراقبة وأبراج إضافية على طول الحدود، بحيث تعسكر الحدود بأحدث التقنيات، خاصة أن بوادر تخفيف تأثيرات التغيّر المناخي ليست بالواردة حتى الآن .

يرى الكاتب أن موجات الكره ضد المهاجرين الجدد والتبليغ عن المشتبه في أمرهم ممن لايحملون وثائق تثبت شخصياتهم لايمكن أن يكون خياراً صائباً في الولايات المتحدة، فهذا يعطي صورة الدولة الفاشلة . ويرى أن هناك في الحقيقة خيارات أفضل، فالحضارة على الرغم من كل عيوبها، يمكنها أن تقدم الأنسب، فلديها الكثير مما يستحق الدفاع عنه . الحضارة العالمية، هذا الاقتصاد العالمي الرأسمالي الكبير بكل مايقوم به من استغلال ويمارسه من لامساواة، أنتج ثروة وتكنولوجية استثنائية . ويسأل في النهاية: هل يمكن لنا حقاً أن نتصور طريقة تعيد توزيع وانتشار هذه الأصول والطاقات؟ .

أزمة الحضارة الإنسانية

يبين الكاتب أن الحضارة الإنسانية تعيش أزمة حقيقية، ومع ذلك لاتزال التأثيرات غير واضحة المعالم بشكل كامل . بالإضافة إلى الفقر والعنف الناتج عن عسكرة الحرب الباردة والسياسات الاقتصادية النيوليبرالية، والتغيّر المناخي الحاصل يحدث التقارب الكارثي، وما يلفت نظره هو ظهور أشكال من التكيف العنيف، ففي النصف الجنوبي من العالم تأخذ شكل: المطامع العرقية بين الدول، التعصب الديني والتمرد واللصوصية وتجارة المخدرات، والحروب صغيرة المدى على مصادر المياه وعلى الماشية . أما في الشمال، فتظهر الأزمة متعددة الأوجه، من خلال اتباع سياسة قارب النجاة المسلح: على شكل عسكرة الحدود وتحضيرات هائلة لمكافحة الإرهاب، واتخاذ السياسات العدائية للحد من الهجرات، وتفشي ظاهرة رهاب الأجانب من قبل الجناح اليميني .

ويتساءل الكاتب: هل هناك ما يكفي من التكنولوجيا للحد من تغيّر المناخ أو صنع انتقال إلى اقتصاد خال من الكربون؟ يرى أن هناك ما يكفي من التكنولوجيات لخلق كمية كبيرة من الطاقة الخالية من الكربون، وهي الريح والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية . ويرى أنه من الناحية الاقتصادية هناك مايكفي من المال للحد من أثير التغيّر المناخي والتكيف معه، ذلك أنه يوجد مجمعات هائلة من الرأسمال تدور في النظام المالي العالمي باحثة عن منافذ للربح وفي هذه العملية تخلق فقاعات تقديرية غير مستقرة وخطرة .

يرى الكاتب أن أزمة تغيّر المناخ ليست مشكلة تقنية ولاحتى مشكلة اقتصادية، بل هي بشكل أساسي مشكلة سياسية، ويتأسف على أنه ليست هناك إرادة سياسية حقيقية لخلق انتقال، ذلك أن شركات الوقود المستخرج والبنوك الكبيرة لاترغب في رؤية إعادة توزيع للثروة والقوة، ولا رؤية سحق اقتصادي لكل رأس المال الذي يشكل اقتصاد الوقود المستخرج .

يرى الكاتب أن العديد من القضايا تغلف هذه المشكلة السياسية أكثر من كونها قصة ترويج صناعة الوقود الأحفوري يهدف إلى تكذيب أزمة تغيّر المناخ . ويشير إلى أنه لمدة عشرين سنة كان المدافعون عن الوقود المستخرج يمولون وينظمون هجمات ضد علم المناخ، وبشكل بارز مابين عام 1998 و،2008 حيث تبرعت شركة إيكسون بمبلغ 23 مليون دولار لدعم الحركات التي تنكر تغيّر المناخ . وفي عام 2006 طالبت الهيئة العلمية البريطانية ذا رويال سوسايتي أن توقف إيكسون موبيل تمويل المعلومات المضللة . الشركة وعدت ولكنها لم تلتزم بوعودها . وفي عام 2009 أفادت منظمة غرين بيس في تقرير لها أن إيكسون أعطت 103 ملايين دولار للمنظمات مع تواريخ لحالات إنكار تغيّر المناخ، من بينها منظمة هيريتيج وذي أميركن إنتربرايز إنستيتيوت وواشنطن ليغل فاونديشن .

ويشير إلى أن ثروة الأخوين كوج هي مصدر آخر للتشكيك في تغيّر المناخ، فهما يديران صناعات كوج، وهي ثاني أكبر تكتل للشركات متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة بعد كارغيل وصنفت من بين أكثر عشرة ملوثين في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من استثماراتهم وأعمالهم الخيرية ألا أنهم يقومون بعملية تضليلية بشأن المناخ . ووفق تقرير لمنظمة غرين بيس في 2005 فإن المؤسسات التي تتحكم بها كوج ساهمت بمبلغ 9 .24 مليون دولار للتضليل في مسألة تغيّر المناخ، ويبدو أن هذه الحملات تجني ثمارها، فالعديد من الاستطلاعات وجدت أنه في 2006 كان 77 في المئة من الذين كانوا يؤمنون بأن الأرض تزداد حرارة انخفضت في 2009 إلى 57 في المئة .

الرأسمالية ضد الطبيعة

يشير الكاتب إلى العديد من المنظمات والحركات التي تدعو إلى الحد من الانبعاثات الحرارية في الأرض، والمقاومة العنيفة التي تتعرض لها، خاصة في الولايات المتحدة ومن بعدها الصين التي تعد ثاني أكبر ملوث في العالم .

يتساءل الكاتب: هل الرأسمالية ضد الطبيعة؟ وهل يستحيل أن تصل إلى علاقة مستديمة معها؟ هنا يناقش آراء العديدين، وأهمهم ماركس وإنجلز، حيث نظرا إلى علم البيئة من خلال مشكلة العلاقات المحلية بين الريف والمدينة، ومن بعض ما قاله ماركس هنا حول هذا المآزق: يجمع الإنتاج الرأسمالي السكان في المراكز الكبرى، ويسبب تلوثاً مدنياً لتحقيق تفوق متنام إلى أبعد الحدود . وهذا له نتيجتان: من ناحية يحشد قوة المجتمع الحافزة التاريخية، ومن ناحية أخرى، يفسد التفاعل بين الإنسان والأرض ويضيف: إن الإنتاج الزراعي الرأسمالي لاينهب العامل فقط، بل ينهب التربة أيضاً .

ويشير إلى أن الأزمة المناخية وصلت إلى حد ينذر بالخطر، ويرى أنه إما أن تحلّ الرأسمالية هذه الأزمة أو أن تدمر الحضارة الإنسانية . فلابد لها أن تبدأ بالتعامل مع هذه الأزمة الآن، أو ستواجه البشرية انهياراً حضارياً يبدأ في هذا القرن . ويرى أننا لانستطيع انتظار المفاهيم والنظريات حتى نحوّل كل شيء، من ضمنها كيفية خلق الطاقة . وبدلاً من ذلك يجب أن نبدأ بتحول اقتصاد الطاقة على الفور . وأي تغيّر يمكن له أن ينبثق بعدها منه . ويشير إلى كيفية التخلص من الأوبئة العالمية مثل الكوليرا والحمى الصفراء، التي خلقتها المدن الصناعية، وهي مثل تغيّر المناخ، فعلى الرغم من أنها عصفت بالفقراء، إلا أن الأثرياء لم يكونوا في مأمن فقد تعرضوا للقتل والأمراض أيضاً . ومن خلال مجموعة من الإجراءات والبرامج تخلصت الدول الرأسمالية من هذه الأمراض الفتاكة بالتخطيط والاستثمار العام . وعلى الرغم من أن أزمة تغيّر المناخ مختلفة من حيث حجمها، إلا أنه يمكن الاستفادة من الدروس والعبر من الأزمات البيئية السابقة . ولابد من إعادة توزيع الثروة، وأن يعود دور الدولة في الاقتصاد، ولابد من الضغط على القادة السياسيين لإجبارهم على التصرف إزاء هذه الكارثة البيئية، ويقول في النهاية إننا ندين لأولئك الذين قتلوا على الخطوط الأولى من التقارب الكارثي مثل إيكاروا لوومان، وندين للجيل اللاحق ممن سيرث هذه الفوضى، وندين لأنفسنا أيضاً .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"