العالم في مواجهة “إيبولا” . . من يكسب المعركة؟

03:25 صباحا
قراءة 5 دقائق
القاهرة -كرم سعيد:
تتجه الدول الأوروبية ومعها واشنطن إلى إعلان "تعبئة عامة" لمكافحة انتشار وباء إيبولا الذي انتقل مؤخراً إلى عمق الولايات المتحدة، وسبب حالة من التوتر لا تخطئها عين أوساط الأمريكيين، وكان استطلاع رأي أجرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية ونشرت نتائجه في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أن نسبة 43% تقريباً ممن شملهم الاستطلاع من الشعب الأمريكي، يتخوفون بشدة من إمكانية إصابتهم أو إصابة أحد ذويهم بفيروس "إيبولا" القاتل، الأمر الذي قد يعوق بالفعل عملية مكافحته .
بدأ ظهور المرض في غرب إفريقيا، خصوصاً في ليبيريا وسيراليون والسنغال وغينيا ونيجيريا قبل أن تنتقل العدوى إلى قطاع معتبر من الدول الأوروبية منها بريطانيا وإسبانيا .
ويعتبر إيبولا من الفيروسات الخطيرة والقاتلة، حيث تصل نسبة الوفيات من بين المصابين به إلى 90%، وهو ينتقل عبر إفرازات الجسم ويؤدي إلى حمى نزفية نتيجة لنزيف الدم المتواصل من جميع مخارج الجسم . وأدى تفشي فيروس "إيبولا" الذي تم رصده في الغابات النائية شرق غينيا في مارس/ آذار الماضي إلى وفاة 4546 مواطناً من أصل 9191 إصابة تم إحصاؤها، معظمهم في ليبيريا وسيراليون وغينيا .
ويبدو أن الخسارة في البشر قد لا تقف عند هذا الحد، فالمؤشرات تدل على أن ثمة صعوداً متوقعاً لضحايا إيبولا، وهو ما كشفت عنه تقديرات منظمة الصحة العالمية التي أكدت أن الوباء يواصل انتشاره في غرب إفريقيا، وقد ترتفع الإصابات في مطلع ديسمبر/ كانون الأول المقبل من "خمسة آلاف إلى عشرة آلاف حالة جديدة في الأسبوع" . وفتح هذا المشهد الضبابي الباب واسعاً أمام تساؤلات مقرونة بمخاوف حول إمكانية لجم انتقال عدوى إيبولا ووقف النزيف في البشر والاقتصاد، وكان بارزاً، هنا، حديث أنتوني بانبوري المسؤول الأممي المنوط به متابعة إيبولا في غرب إفريقيا، حيث قال في 14 أكتوبر الجاري، إنّ وباء "إيبولا": "متقدم علينا بشوط كبير وهو يتقدم بسرعة أكبر منا وهو بصدد كسب السباق" . وأضاف: "إذا ربح "إيبولا"، فنحن شعوب الأمم المتحدة سنخسر الكثير . إمّا أن نوقف "إيبولا" الآن، أو أن نواجه وضعاً غير مسبوق لا نملك خطة حياله" .
الانتشار السريع للعدوى ووصولها إلى قلب الولايات المتحدة دفع الرئيس أوباما إلى تعيين مستشار سابق للبيت البيض مسؤولاً عن جهود مكافحة تفشي فيروس إيبولا، ويأتي تعيين مسؤولين عن مكافحة المرض في 18 أكتوبر الجاري في وقت يوجه فيه عدد من أعضاء الكونغرس انتقادات لجهود البيت الأبيض لاحتواء الفيروس .
في المقابل طالب رئيس الوزراء البريطاني كاميرون الاتحاد الأوروبي بزيادة مخصصاته المالية لمكافحة الإيبولا إلى مليار يورو جنباً إلى جنب بدء بريطانيا وفرنسا وكندا في تنفيذ إجراءات مشددة في المطارات لمراقبة المسافرين القادمين من دول غرب إفريقيا من خلال قياس درجات حرارتهم .
تحرك أوباما الذي ألغى جولة كانت مقررة له في 15 أكتوبر الجاري في ولايتي نيوجرسي وكونيكتيكت، ومهاتفته الأمين العام للأمم المتحدة لتنسيق الجهود الدولية لمكافحة إيبولا، جاءت أعقاب تحذيرات وزيرة الصحة الأمريكية سيلفيا بارويل -بعد وفاة أول شخص بإيبولا في الولايات المتحدة- ناهيك عن إضراب نحو مئتين من عمال نظافة الطائرات في نيويورك، ومطالبة بعض أعضاء الكونغرس الحكومة بمنع المسافرين القادمين من دول غربي إفريقيا .
صحيح أن فيروس إيبولا الذي ينتشر منذ سبعة أشهر ليس الأول من نوعه، فقد سبق أن ظهر في الكونغو الديمقراطية في العام ،1995 إلا أن هذه المرة هي الأكبر لتفشي المرض الذي ظهر للمرة الأولى عام 1976 في إحدى المقاطعات الاستوائية الغربية في السودان وفي منطقة مجاورة في زائير "الكونغو الديمقراطية" . وزاد القلق مع إعلان منظمة الصحة العالمية قبل عدة أيام عن ظهور إيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ولكنه سلالة مختلفة عن إيبولا .
والأرجح أن ثمة انعكاسات سلبية خلّفها ظهور إيبولا على اقتصاديات دول غرب إفريقيا، فمثلاً أنفقت ليبيريا أكثر من 40 مليون دولار من الاحتياطي النقدي منذ أغسطس/ آب الماضي، لمواجهة تفشي وباء إيبولا . وكانت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني حذرت من أن وباء إيبولا قد تنجم عنه عواقب اقتصادية ومالية واسعة على بلدان المنطقة التي تعول كثيراً على المواد الأولية وتعاني أوضاعها المالية التبعية والهشاشة .
من جهته أعلن صندوق النقد الدولي في 28 أغسطس/ آب الماضي أن أسوأ تفشٍ لمرض "إيبولا"، من المرجح أن يؤدي إلى تراجع حاد للنمو الاقتصادي في غينيا وليبيريا وسيراليون، ويزيد حاجات التمويل في الدول الثلاث التي تحصل حالياً على قروض من صندوق النقد ضمن برنامج الصندوق للإقراض الطويل للدول الفقيرة التي تعاني مشاكل مزمنة في ميزان المدفوعات .
في المقابل كشفت تقديرات البنك الدولي عن أن الخسائر الإقليمية الناجمة عن إيبولا في غرب إفريقيا قد تصل إلى 6 .32 مليار دولار بنهاية عام 2015 .
على الضفة الأخرى من النهر، شهدت المجتمعات التي تفشى بها إيبولا احتجاجات سياسية واسعة النطاق بسبب عجز الحكومات عن الالتفاف على أزمة إيبولا والقفز عليها . وعلى الرغم من جهود بذلت لتفادي السخط الشعبي والتأسيس لتفاهمات جديدة مع المجتمع الدولي إلا أنها لم تسفر عن اختراق الأزمة، ودخلت بعض دول غرب إفريقيا المأزومة بطبيعتها في دوامة العنف السياسي رغم أن بعضها قطع شوطاً معقولاً على طريق التعافي السياسي والمجتمعي .
على صعيد ذي شأن أحدث فيروس إيبولا سلوكيات اجتماعية سلبية، إذ صاحب انتشار الفيروس تغيرات في سلوك الأفراد بسبب الخوف من الإصابة بعدوى المرض ناهيك عن أن الكثير من مؤسسات الأعمال أصبحت بلا عمال، وإلى تعطيل وسائل النقل، وفرض قيود على سفر المواطنين من البلدان المنكوبة .
في هذا السياق العام يحشد المجتمع الدولي اليوم طاقته لمواجهة تداعيات إيبولا الذي ينذر انتشاره باحتمال تحوله إلى وباء عالمي . وبدا ذلك في تنسيق الرئيس بارك أوباما مع رئيس وزراء بريطانيا وإيطاليا، إضافة إلى الرئيس الفرنسي هولاند والمستشارة الألمانية لتعزيز جهود مواجهة إيبولا . كما أقر وزراء الصحة في الاتحاد الأوروبي بعض التدابير الوقائية لمواجهة خطر انتشار الوباء، بعد أن كشفت دراسة أجراها علماء يتعقبون وباء "إيبولا" وبيانات حركة الطيران عن زيادة متوقعة في خطر انتقال المرض إلى أوروبا عن طريق أشخاص لا يعلمون أنهم مصابون .
جهود الحشد والتعبئة وجدت زخمها مع دعوة مجلس الأمن الدولي لزيادة المساعدات لغرب إفريقيا، فضلاً عن تحذيرات أطلقها رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وأبدى مخاوفه من تحول العدوى إلى "كارثة إنسانية كبرى" .
غير أن هذه الدعوات والجهود تبدو أولية ومحدودة إذا ما قورنت بالمخاطر المترتبة على انتشار إيبولا .
لذلك فإن الدعوات والمؤتمرات الدعائية وحدها لا تكفي لهزيمة "إيبولا"، فثمة حاجة ماسة إلى بناء سياسات فاعلة أولها تفعيل الجهود الدولية والوطنية من خلال تقديم مخصصات مالية عاجلة لتطوير أنظمة الرعاية الصحية المتهالكة في بلدان غرب إفريقيا، ولعل نجاح احتواء الإيبولا في نيجيريا والسنغال حتى الآن دليل على إمكانية تحقيق هذا، بالنظر إلى بعض قدرات النظم الصحية في هذه الدول، والاستجابة الحاسمة على مستوى السياسات .
القصد أن مواجهة إيبولا لا يمكن أن تتم بمعزل عن دور معتبر للمجتمع الدولي، والتحرك باتجاه تنسيق المساعدات والدعم لدول غرب إفريقيا قبل أن يتحول إيبولا هذه المرة إلى وباء قد لا يبقي ولا يذر .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"