فاس مدينة الحراك الثقافي على مدار العام

مرور 1200 عام على تأسيسها
04:55 صباحا
قراءة 5 دقائق

تحتفل مدينة فاس المغربية هذا العام بذكرى مرور 1200 عام على تأسيسها على يد إدريس الأول الذي جعل منها عاصمة للدولة الإدريسية في المغرب، وتقع فاس بين البحر الأبيض المتوسط وجبال الأطلس وواحات بداية الصحراء، وقد عاش فيها الكثير من العلماء الذين أقاموا فيها ودرسوا بجامعتها كابن خلدون مؤسس علم الاجتماع ولسان الدين بن الخطيب، وابن العربي الحكيم وابن مرزوق وآخرون، وهي تنقسم تاريخياً إلى ثلاثة أقسام؛ وهي المدينة القديمة والمسماة فاس البالي، وفاس الجديدة التي بنيت في القرن الثالث عشر الميلادي، والمدينة الجديدة التي بناها الفرنسيون خلال فترة الاستعمار، وقد تم اختيار فاس من قبل اليونيسكو في عام 1981 كأحد مواقع التراث العالمي، بالاضافة الى اختيارها عاصمة للثقافة الاسلامية، فهذه المدينة التي يقطنها ما يقارب 1،3 مليون نسمة تعيش على مدار العام في حالة من الحراك الثقافي الذي أصبح سمة من سماتها، بعد أن تكرست فيها مجموعة من الأنشطة والفعاليات التي تزخر بأنواع عدة من الابداع ومنها ما له علاقة بالشعر كالملتقى الشعري الذي يعقد في شهر شباط/فبراير من كل عام، ومنه ما له علاقة بالفلسفة كملتقى ابن رشد الذي يعقد في شهر مارس/آذار، بالاضافة الى مهرجانات موسيقية ومسرحية وأهمها مهرجان فاس لضرب الملمون ومهرجان الموسيقا الروحية والمهرجان الوطني لفن المبدع والسماع.

لقد منحها المخزون التراثي والثقافي الكبير الذي تمتلكه مكانة متميزة جعلها من أهم العواصم الثقافية عربياً وإسلامياً وعالمياً خاصة وأن الدول التي تعاقبت على الحكم في المغرب خصتها باهتمام ورعاية فريدة مما راكم على مر القرون مجموعة من المنشآت الثقافية والعلمية التي تحولت في ما بعد الى معالم للنشاط الثقافي في المدينة، بالإضافة الى تحولها الى أماكن استقطاب لما يعرف بالسياحة الثقافية والتي جعلت منها إحدى أهم المدن المغربية التي تمتاز بشهرة دولية على المستوى السياحي.

إن اختيار اليونيسكو لها كتراث انساني عالمي لعب دوراً مهماً في إعادة إحياء هذه المدينة بحيث تم وضع مخطط معماري دائم لعملية انقاذ وترميم المباني في المدينة القديمة، هذا المخطط شكل دعامة اضافية اسهمت في إبراز المكنون المعماري التاريخي لفاس، وفتح أمامها آفاقاً جديدة على مستوى ديناميات الحركة الاجتماعية الاقتصادية لسكان المدينة، وتحول قسم كبير منهم للعمل في المشاريع الثقافية السياحية، وذلك لما لهذه المشاريع من مردود مادي ومعنوي عليهم، وفي هذا الاطار جاء انشاء مجموعة من المؤسسات والوكالات العمومية مثل الصندوق الوطني للعمل الثقافي والوكالة الحضرية لإنقاذ فاس ووكالة التهتية والعمران، وكل ذلك من أجل إيجاد بنية مؤسساتية تشرف على ترميم المآثر والمؤسسات الثقافية وتحسين البنية التحتية للمدينة لإحياء الدور الحيوي التاريخي لها.

معالم المدينة

يعتبر السير على الأقدام هو الوسيلة الوحيدة الممكنة أمام من يرغب في القيام بجولة استكشافية لهذه المدينة التي تمتاز بموقع جغرافي جميل تحيط به التلال من جميع جوانبه، والرحلة بالنسبة لزائر فاس تبدأ من ساحة المقاومة ثم التوجه الى شارع مولاي يوسف والذي يفضي الى ساحة العلويين الشهيرة والتي يقع فيها مدخل القصر الملكي، ومن هذه الساحة يتفرع شارع بوقصيصات ومنه الى باب سمارين الذي ينفتح على الشارع الكبير المحاذي لجامع الأزهر الذي بناه أحد سلاطين المرئيين عام ،1357 كما يفضي الشارع الكبير الى ساحة صغيرة تدعى المشوار الصغير مقابل باب الدكاكين الذي كان يشكل سابقاً المدخل الى القصر الملكي وبناه أبو يوسف يعقوب من المرئيين ولم يره مكتملاً في حياته، وقد قام خلفاؤه بإكمال بنائه من بعده، وذلك بالتزامن مع تشييد مدينة فاس الجديدة، وتبلغ مساحة القصر 200 فدان، ويضم مجموعة من الساحات والحدائق والمعسكرات، أما ساحة المشوار القديم فهي محاطة بأسوار عالية بين باب الدكاكين وباب سيجما، وكانت هذه الساحة قديماً مكاناً لاستعراض فرق الجيش من قبل السلطان ومكان استقباله للسفراء الأجانب، أما اليوم فهي معلم سياحي وثقافي في آن واحد تحتوي على خليط من الحكواتية والراقصين، وإلى جانب باب الدكاكين يوجد باب آخر يسمى باب الممروق وقد بناه محمد الناصر رابع سلاطين الموحدين.

وإلى جوار باب الدكاكين هناك حدائق بوجلود ويشكل بابها المدخل الى مدينة فاس البالية، وهو أعلى نقطة حول منخفض المدينة.

أما الشارع الرئيسي في فاس البالية فهو شارع التلة الكبيرة، وتقع فيه مدرسة بوعنانية الدينية، وهي أكبر مدرسة بين مثيلاتها في فاس، وسميت بمدرسة بوعنانية نسبة الى السلطان أبو عنان الذي بناها بين عامي 1350 و،1357 وفي نهاية الشارع تأتي دار البطحاء التي كانت قصراً للسلطان مولاي حسن في القرن التاسع عشر، وفي هذه الدار يوجد اليوم متحف المغرب للفنون والحرف وفيه مجموعة كبيرة من المعروضات الجميلة من الأعمال الحرفية والسجاد والملابس والأسلحة القديمة.

احتفاء ثقافي وإبداعي

تضم أجندة الاحتفالية بمرور 1200 عام على تأسيس فاس مجموعة كبيرة من الأنشطة والفعاليات التي تسعى الى إبراز الدور التاريخي والحضاري والانساني لهذه المدينة التي أطلق عليها تاريخياً لقب العاصمة العلمية للمغرب، وذلك لوجود جامعة القرويين فيها، والتي أسستها فاطمة بنت محمد القهري عام 859 وهي أقدم جامعة في العالم، وكان لهذه الجامعة الفضل في ظهور الكثير من المفكرين والعلماء، ومن ضمن هذه الأنشطة سلسلة من الندوات العالمية التي تتناول التاريخ القديم لهذه الحاضرة العلمية، وإطلاق جائزة للبحوث حول تاريخ المغرب، بالإضافة الى فتح الباب أمام الرسامين والنحاتين لإنجاز أعمال فنية تخلد هذه المدينة، بالإضافة الى الحدث الثقافي والفكري البارز، وهو إعلان فاس عاصمة للفلسفة في حوض البحر الأبيض المتوسط خلال هذا العام، وجاء ذلك نتيجة لاقتراح عدد من الباحثين والمثقفين يمثلون كلاً من ألمانيا وبلغاريا ومصر وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وتونس وسوريا والمغرب.

كما سيتم تنظيم مهرجان سينمائي خاص بالتعاون بين الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين في فاس وجمعية فضاء للإبداع للسينما والمسرح ومنظمة الاسيسكو والمعهد الثقافي الفرنسي وجهات اخرى، وتم تحديد شعار للمهرجان تحت عنوان السلوك المدني، وسيشارك في مسابقات المهرجان 30 فيلماً روائياً قصيراً، كما سيعرض خلال المهرجان مجموعة من الأفلام حول تاريخ مدينة فاس، بالإضافة الى الندوات المصاحبة للمهرجان.

ومن جهة أخرى تنظم مؤسسة روح فاس مهرجان فاس للموسيقا العالمية في شهر يونيو/حزيران الجاري تحت شعار سبل الخلق وذلك للإسهام في التنمية الثقافية للمدينة واختارت الجهة المنظمة برنامجاً فنياً يتلاءم مع روح الفعالية وطبيعتها وأهدافها، ولذلك فإن المهرجان الموسيقي سيكون مصحوباً بمجموعة من الندوات التي تركز على إبراز المخزون الثقافي الفني للمدينة ودورها التاريخي كمركز للسلام والحوار بين الثقافات باعتبارها احدى صلات الوصل التاريخية بين الثقافة العربية والثقافات الأوروبية، وقد وقع الاختيار على مجموعة من الفعاليات الفنية التي تسهم في اعطاء صورة واضحة عن الابداع والثقافة في التراث العربي، خاصة تلك المستمدة من الارث الشعري.

وفي مجال الفن التشكيلي سيقام ملتقى فاس السادس للوحة تحت شعار 12 قرناً من التنوع الثقافي.

وتأتي مشاركات الفنانين ضمن هذا الإطار لتأكيد الهوية التاريخية والحضارية وإبراز قيم الانفتاح على الآخر والتفاعل مع باقي الثقافات والحضارات الأخرى، وجاء اختيار الفنانين المشاركين من مدن تربطها بفاس علاقات التوأمة أو الصداقة أو التعاون ويصل عددهم الى 30 فناناً تشكيلياً منهم سعيد العفاسي ومحمد خلوف وحسن جميل ومحمد بن كيران وفاطمة الحجاجي وفوزية السقاط وآخرون، وهم يمثلون تجارب ابداعية متنوعة على مستوى المدارس الفنية أو التقنيات المستخدمة في بناء اللوحة، وكما المهرجانات الأخرى سيصاحب الملتقى مجموعة من الورشات الفنية والندوات الفكرية وجلسات مفتوحة مع الفنانين المشاركين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"