هل ترث الصين أمراض الرأسمالية المالية

05:16 صباحا
قراءة 4 دقائق

قبل أيام وأنا أدخل محطة مترو الأنفاق في لندن، شاهدت للمرة الأولى إعلاناً لبنك الصين يعرض ميزات خدماته وفيه إشارة إلى العملة الصينية، اليوان، وقبل نهاية اليوم كنت أقرأ تصريحات رئيس الوزراء الصيني وين جياباو للإذاعة الصينية التي أشار فيها إلى مسألة إنهاء احتكار البنوك الصينية الأربعة الكبرى الحكومية لقطاع الصيرفة في الصين، وتزامنت التصريحات مع قرار هيئة أسواق المال الصينية زيادة سقف الاستثمار الأجنبي للصناديق الخارجية في الأسهم الصينية . وأعاد كل ذلك للذهن مسألة مهمة لا أظنها تحظى بالقدر الكافي من الاهتمام وهي تطورات القطاع المالي الصيني . ذلك على الرغم من كثرة التصريحات والتقارير والتحليلات حول السياسة النقدية للصين، باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم الآن .

يتركز الاهتمام العالمي والغربي تحديداً- أي الأمريكي والأوروبي- على الضغط على الصين من أجل تحرير سعر صرف اليوان لترتفع قيمته وتقلل من الميزة التنافسية للصادرات الصينية . كما يسعى العالم الخارجي لحث بكين على تحرير أسواقها المالية- بما يسمح بتخفيف القيود على الاستثمار الأجنبي في الأسهم والسندات الصينية، ومع أن صندوق النقد الدولي في أحدث تقاريره عن الصين امتدح الرقابة المالية في الصين إلا أن طبيعة التخطيط المركزي وسيطرة الحزب الشيوعي على شؤون إدارة البلاد بقبضة صارمة تجعل الباب أمام الأموال الساخنة غير مفتوح على مصراعيه كما هو الحال في كثير من بلدان أخرى غير الاقتصادات الرأسمالية التقليدية .

ومع أن الصين لا تفتقر للتدفقات الاستثمارية من الخارج، مع استمرار نقل كثير من الأعمال الكبرى في العالم إلى الصين ودخول الشركات متعددة الجنسية في كثير من الأعمال الكبرى في العالم إلى الصين ودخول الشركات متعددة الجنسية في كثير من الأعمال في الصين، إلا أن قرار رفع سقف استثمارات الصناديق يعد خطوة في غاية الأهمية والأثر، فقد ضاعف قرار هيئة أسواق المال الصينية حجم ما يمكن للصناديق الخاصة استثماره في أسواق الأسهم والسندات في الصين ثلاث مرات ليصل إلى 80 مليار دولار . ويعني ذلك أن الصين خطت خطوة أبعد مما أصرت عليه ألمانيا حتى بدايات القرن الحالي من تشديد القيود على الأموال الساخنة للصناديق الخارجية وأغلبها أمريكية، واشتهر الألمان بوصف تلك الصناديق بأنها جراد يمتص دماء الاقتصادات بسرعة وينتقل إلى غيرها، ورغم الضغوط الأمريكية التي لم تهدأ إلا بعد الأزمة المالية العالمية لم يغير الألمان موقفهم كثيراً .

لا يمكن تصور أن القرار الصيني جاء نتيجة ضغوط الغرب فقط، وإنما الصين على عتبة تغييرات سياسية مع تولي زعيم جديد قيادة الحزب والدولة . وهناك تفكير في الصين منذ عام 2008 بالاستفادة من الأزمة المالية العالمية على اعتبار أن النمو الاقتصادي الهائل لا يمكن الحفاظ عليه فقط بالتصنيع والتصدير . ومن هنا جاء الاهتمام بالقطاع المالي بتحرير جزئي للأسواق ثم التمدد المصرفي في أوروبا الشرقية ودول أسواق صاعدة مثل دول الخليج النفطية وإفريقيا ويتطلب هذا بالتأكيد إعادة هيكلة القطاع المصرفي الصيني . الذي لايزال خاضعاً للدولة ويمثل بكل لوائحه وتعقيداته عقبة أمام تحرير أسواق المال والتوسع في التعامل مع الخارج مالياً، كما أن تحرير أسواق المال في الصين يحتاج إلى فتح القطاع المصرفي بشكل أوسع وتخليصه من قيود الرقابة المركزية للدولة بقدر كبير . وهنا مكمن الخطورة خاصة أن القطاع المصرفي الصيني ليس خالياً من المشاكل التي تظل غير حادة في ظل المركزية الحكومية الشديدة . أضف إلى ذلك أن عملية الانتقال من الريف إلى الحضر في السنوات الأخيرة وما صاحبها من تغييرات في البنية الاجتماعية في الصين أدى إلى مشاكل كبيرة للقطاع المصرفي المحلي، وهناك أكثر من 100 مصرف إقليمي ومحلي في البلاد في حاجة إلى الإفلاس أو الاندماج لحل مشاكل ديونها المعدومة، خاصة قروضها للسلطات المحلية، بما يشكل عبئاً جديداً على البنوك الكبرى لا يمكن لها تحمله إذا خرجت من ملاءة الدولة .

ورغم النمو الكبير في الاقتصاد الصيني واستمرار تراكم فائض نقدي في تعاملات الصين مع العالم، إلا أن التوسع في القطاع المالي كفيل بنقل بقايا الفقاعة الدولية التي لن تنفثئ تماماً على ما يبدو في 2007 و2008 إلى الاقتصاد الصيني . وفي بلد قد يرى في تعزيز دولي لعملته فائدة مباشرة سريعة في تعاملاته التجارية، يمكن لبقايا الفقاعة أن تتضخم وتؤدي إلى أزمة نقدية أكبر كثيراً وأشد ضرراً مما عانته بلدان النمور الآسيوية في نهايات القرن الماضي، ولا يمكن هنا إغفال إغراء الأرقام الهائلة السريعة التي يولدها نشاط الرأسمالية المالية خاصة وصناعة الصناديق والمشتقات المالية تكاد تختنق في العالم وستجد في الصين متنفساً رهيباً يجعلها في حالة جشع مرعب، ومهما كانت سياسات الدولة الصينية الهادفة إلى تحول رأسمالي منضبط، فلن تصمد كثيراً أمام توحش رأس المال والقلق هنا ليس فقط على الاقتصاد الصيني الذي أصبح يملك قاعدة صناعية وتجارية قوية، وإنما على ما يمكن أن تحدثه هزة قوية فيه من أثر في الاقتصاد العالمي في المديين المتوسط والطويل .

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"