عادي
استعاد شبابه في سن الـ 38

روجيه ميلا راقص إفريقيا الأول في المونديال

02:02 صباحا
قراءة 5 دقائق

صنع الكاميروني روجيه ميلا لنفسه مجداً، وكتب اسم بلده بأحرف من ذهب، وحقق أول سابقة إفريقية في كؤوس العالم، بقيادته الكاميرون إلى الدور ربع النهائي من مونديال إيطاليا ،1990 وهو في الثامنة والثلاثين من عمره .

فبعد أن أدارت له الملاعب الأوروبية ظهرها، وعانى كثيراً مع مسؤولي أندية القارة العجوز، حقق في مدى 15 يوماً ما عجز عنه طوال مسيرة استمرت 15 عاماً، والغريب أن كل هذا حدث بعد الاعتزال، ولأنه قناص ماهر للأهداف صار يلقب بالثعلب .

يمثل ميلا كل تاريخ القارة السمراء، بمرواغاته الرائعة، وأهدافه النادرة، وكذلك برقصاته الإفريقية الممتعة التي يؤديها بعد تسجيله الأهداف، وتمكنه من جعل منتخب الكاميرون ظاهرة مونديال إيطاليا 1990 .

ولد في 25 مايو/ أيار 1952 في العاصمة ياوندي، اكتشف عالم الكرة وسحرها مبكراً في شوارع العاصمة وصار في فترة وجيزة أحد أبرز نجوم الشارع، الذين يمارسون هذه الرياضة بكرة مصنوعة من بقايا القماش .

وكان طبيعياً أن يتهافت عليه مسؤولو الأندية المحلية، فانضم إلى نادي دوالا عام،1971 حيث لعب موسماً واحداً، ثم انتقل إلى تونير ياوندي، أحد الأندية الكاميرونية الكبيرة، وصار مثال الشباب المحلي وهو في العشرين .

في عام 1976 نال الكرة الذهبية الإفريقية، التي كانت مجلة فرانس فوتبول قد أحدثتها للمرة الأولى في ذلك العام، ومنها بدأت أعين مسؤولي الأندية الأوروبية تراقب هذا العصفور النادر، وراحوا يحاولون إغراء الشاب الإفريقي بالمال والمجد .

كان نادي فالنسيان الفرنسي، أكرم الأندية نظرياً، فعرض على ميلا راتباً شهرياً مقداره 20 ألف فرنك فرنسي، وفيلا فاخرة، واللعب أساسياً ضمن فريق الدرجة الأولى، لم يفكر الشاب الكاميروني كثيراً حتى يعطي موافقته، لكنه فوجئ عند وصوله إلى فرنسا، بواقع مر لا يمت إلى الوعود بصلة .

فراتبه لم يتجاوز 3 آلاف فرنك فرنسي، ووجد نفسه في شقة من غرفة واحدة، والأدهى من كل ذلك، كان ضمن تشكيلة الفريق الاحتياطي التي تلعب في الدرجة الثالثة، وهو ما وصفه ميلا لاحقاً باستغلال اللاعبين الأفارقة .

ومن هذه التجربة بدأت قصة طويلة بين ميلا وفرنسا، قصة ارتباط وحب لهذا البلد، ممزوجة طبعاً بحقد لا يضاهى لمسؤولي الأندية .

بقي ميلا في فالنسيان إلى غاية عام ،1979 حيث انتقل إلى موناكو وتمكن معه من الفوز بكأس فرنسا عام ،1980 وهي السنة التي انتقل فيها إلى باستيا، وبفضله تمكن هذا النادي المتواضع في الدوري الفرنسي من الظفر بكأس فرنسا في العام التالي .

لعب ميلا لباستيا أربعة مواسم قبل أن ينتقل إلى سانت اتيان، الذي لعب له موسمين . وفي عام ،1984 انضم إلى مونبيلييه حيث أنهى مشواره في الدوري الفرنسي .

غير أن المواسم ال 12 التي قضاها نجم إفريقيا في فرنسا لم تكن مثمرة، وكانت مملوءة بالمشاكل والمشاحنات مع مسؤولي الأندية والمدربين، حتى صار يوصف باللاعب المشاغب غير المرغوب فيه .

كل هذه الظروف طغت على فنيات اللاعب ومواهبه الخارقة، فصار التركيز على قصصه المثيرة مع الأندية عوض ما يقدم على الميدان، برغم الأهداف ال 125 التي سجلها في 360 مباراة .

أول ظهور لميلا في منافسات كأس العالم كان في إسبانيا عام ،1982 وكان لزاماً عليه دحض كل ما قيل عليه في الدوري الفرنسي، وإثبات قدراته الفنية كلاعب هداف من الطراز الأول، وهو في الثلاثين من العمر .

غير أن حكمين تسببا بإنهاء الحلم الإفريقي، ومعه طموح ميلا، ففي المباراة الأولى أمام البيرو، في 15 يونيو/ حزيران في كورونا، تمكن ميلا من تسجيل هدف في الدقيقة ،39 إلا ان الحكم النمساوي فيهرير، كان الوحيد الذي رأى وضعية تسلل خيالية فألغى الهدف وحرم الكاميرون من الفوز في هذه المباراة التي انتهت بالتعادل السلبي ضد البيرو .

في المباراة الثانية أمام بولندا، لم يكن الحكم الفرنسي بونيه أكثر إنصافاً من زميله النمساوي، حيث غض الطرف عن الإعلان عن ركلة جزاء واضحة في الدقيقة ،89 عندما تعرض ميلا إلى العرقلة داخل المنطقة، وانتهى اللقاء بالتعادل السلبي أيضاً .

وبعد تعادل ثالث مع أبطال هذه النسخة المنتخب الإيطالي (1-1)، خرج منتخب الكاميرون من الدور الأول بفارق الأهداف من دون أن يتلقى أي هزيمة، فكان الإقصاء غير عادل .

وفي 30 ديسمبر/ كانون الأول ،1987 قرر ثعلب الكاميرون الاعتزال، ونظم مباراة تكريمه في دوالا حضرها أكثر من 60 ألف متفرج، جاؤوا جميعهم لتوديع نجمهم المفضل وغنوا لساعات طويلة بعد المباراة حبهم وعشقهم لميلا .

وميلا لعب موسماً رمزياً مع نادي سان بيار من جزيرة ريينيون، قبل أن يعلق الأحذية نهائياً .

وعندما كان في الكاميرون لقضاء عطلته، كان المنتخب يقوم بدورة في الصين تحضيراً لنهائيات كأس العالم إيطاليا ،1990 غير أن هذه الدورة لم تكن موفقة، وظهر مستوى المنتخب ضعيفاً، ولم يكن ليقدر على مواجهة أعتى المنتخبات في المونديال الذي كان على الأبواب .

عندها بدأت الأصوات تتعإلى وتنادي بعودة ميلا إلى المنتخب، وبدأ الصحافيون يحاولون إقناع نجم البلد الأول بالعودة إلى ميادين الكرة .

وقبل أيام قليلة من انطلاق المونديال، وبرغم بقائه 7 أشهر من دون تدريب ومن دون لعب أي مباراة رسمية، قرر الثعلب وهو في الثامنة والثلاثين العودة مجدداً إلى الملاعب الخضراء، والتحق بالمنتخب في إيطاليا بقرار من وزير الشباب والرياضة الكاميروني .

لم يكن يعلم ميلا أنه سيكون نجم هذا المونديال وبطله، وأنه سيحقق ما عجز عنه طيلة مشواره الكروي .

في 8 يونيو/ حزيران، جمعت مباراة الافتتاح منتخب الأرجنتين حامل اللقب بالمنتخب الكاميروني، ولعب ميلا 8 دقائق في هذا اللقاء الذي فاز فيه زملاؤه بهدف نظيف سجله فرانسوا أومام بييك .

وفي 14 يونيو/ حزيران واجهت الكاميرون رومانيا، وبعد أن ظلت النتيجة متعادلة سلباً حتى الدقيقة ،59 نزل ميلا بديلاً لمابوانغ، ومباشرة بعد دخوله مرر له ماكاناكي كرة طويلة، فوجد الثعلب العجوز نفسه، جنباً إلى جنب مع المدافع الروماني أندون، وبعد عملية تدافع سقط الاثنان، إلا أن ميلا وبرغم السنين ال 38 تمكن من النهوض واستعادة الكرة والتسجيل .

كانت لحظة تاريخية، أعاد بعدها الكرة إثر مواجهته لنفس المدافع بعد عشر دقائق، حيث تمكن ميلا من المراوغة وسدد كرة قوية من مسافة 15 متراً خدعت الحارس الروماني لينتهي اللقاء بفوز ميلا والكاميرون على رومانيا (2-صفر) .

ولم تغير الهزيمة القاسية أمام الاتحاد السوفييتي (صفر-4) في المباراة الثالثة الأخيرة في الدور الأول في الأمر شيئاً، وتأهل زملاء ميلا إلى الدور ثمن النهائي .

في 23 يونيو/ حزيران وعلى ملعب سان نيكولا في باري، واجه المنتخب الكاميروني نظيره الكولومبي، ونزل ميلا بديلاً في الدقيقة 59 وانتظر حتى الدقيقة 106 لتسجيل أول هدف في المباراة بعد أن راوغ المدافع اسكوبار وسدد مخادعاً الحارس هيغيتا .

ثلاث دقائق بعد ذلك وفي غمرة المحاولات الكولومبية لإدراك الفارق، خرج الحارس الظاهر هيغيتا من عرينه لإعادة الكرة إلى منطقة الفريق الخصم، وأراد ممارسة هوايته في المراوغة، إلا أنه كان يجهل أن المراوغة أصلاً هي من ميزات الثعلب الكهل ميلا الذي استطاع خطف الكرة من بين قدمي الحارس الكولومبي واتجه بها نحو المرمى الشاغر مسجلاً الهدف الثاني لمنتخب بلاده، قبل أن يتجه نحو زاوية الملعب ويهدي الجمهور رقصة رائعة على الطريقة الإفريقية .

وفازت الكاميرون على كولومبيا (2-1)، وتأهلت إلى الدور ربع النهائي، وهي أول مرة يتأهل فيها منتخب من القارة السمراء إلى هذا الدور .

والتقت الكاميرون انجلترا في ربع النهائي، وعانى الأخير الأمرّين قبل أن يحجز بطاقة التأهل إلى دور الأربعة، بعدما تقدم الأفارقة 2-،1 قبل أن ينتفض النجم لينيكر الذي سجل على مرتين ومنح التأهل لمنتخب بلاده 3-2 بعد التمديد .

في المقابل خرج منتخب الكاميرون وميلا مرفوعي الرأس .

وبذلك تمكن ميلا من صنع تاريخ ومجد لا يضاهى في مدى أسبوعين، وهو في الثامنة والثلاثين بعد أن عجز في تحقيق ذلك طيلة سنوات عدة وهو في عز شبابه .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"