إنسانية الوجدان في فكر سلطان

03:28 صباحا
قراءة 3 دقائق
المتعارف عليه في فنون المبارزة أن أحد الخصمين يسقط الآخر أو يرديه قتيلاً ليفوز بحياة مملوءة بالنشوة والفخر والاعتزاز، وتتصاعد حدة المبارزة والندية بين الداخلين في حلبة التنافس حين يكون هذا التزاحم والتخاصم من أجل فاتنة رشيقة جميلة مبهرة لافتة، وهذا ما يجعلهم يبذلون قدرات خارقة من أجل أن يحظى أحدهم بقلب تلك الآسرة .
لكن الغريب في الأمر أن يشمل الفوز كل المتنافسين، وأن يحظى الجميع بقلب ومحبة الفاتنة التي تحافظ على عذريتها ونقائها وطهرها وتقربها من الجميع وكأنها المطر الذي لا يفرق بين سطح فقير أو غني، ولا بستان ملك أو شخص من عامة ورعية هذا الملك .
هكذا هي هذه الساحرة التي لوعت الجميع وشغلتهم بحسنها، وأوصلهم العشق والهيام بها إلى ما يمكن وصفه بمرض الوجد الذي يعجز عن تشخيصه الأطباء، ولا يداوي علة هذا المريض إلا القرب من محبوبه، وهكذا قال الحلاج في إحدى تجلياته:
فكيف أصنعُ في حبّ كَلِفْتُ به
              مولاي قد ملّ من سقمي أطبّائي
يا له من عشق وحب ووجد، ذلك الذي جعل الكثير من العشاق يتزاحمون ويتسابقون ويبتكرون ويبدعون، جعلهم يحلقون في فضاءات كثيرة بحثاً عن الجمال، جعلهم يحجون إلى أرضها بالكلام الذي يلهج تلبية وتعلقاً ووصفاً وشكراً .
جعلهم يطوفون حول مبانيها التي تشكلت كلوحة فنان آسرة، وهذا التطواف ليس حباً في الجدران الاسمنتية الناطقة بالهندسة المعمارية، إنما هو حب للحراك الذي تغلغل في الوجدان، هذا الحب القيسي المجنون ذكرني بقيس وليلاه ومروره على جدران بيت معشوقته الخالدة في الذاكرة العربية وهو يتغنى بها:
أمر على الديار ديار ليلى
                  أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي
                 ولكن حب من سكن الديارا
إن ليلى هؤلاء المجانين شعراً أصبحت بهذا البهاء والألق لأن من هذبها ورعاها وأنقها رجل عرف معنى الدلال، وفهم ما هو الجمال الحقيقي الذي لا يحتاج إلى أن يصلحه العطار بعد أن يفسده الدهر كما جسد هذا الفهم الأول الذي يقول:
وراموا بأنواع العقاقيرِ برأه
        وهل يصلحُ العطارُ ما أفسدَ الدهرُ!
من إيمان هذا الرجل الفيلسوف منزلة علمية وممارسة حياتية والذي يعتبر هو الأب المخلص في التربية قوله:
"إنكم تجسدون حريةً أبديةً، هي حرية الحكم على الأشياء .، إنكم تملكون العقل الذي يكشف أكثر الأكاذيب خداعاً، ويدعم اليقينيات المستندة إلى العقل، فلابد أن تقوموا بأداء رسالتكم لتنوير الفكر ونشر الثقافة" .
هذه رسالة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حفظه الله، لكل مثقف، ومن خلالها تتنافس الطاقات وكأنها بنيان مرصوص من أجل خلق وعي ونتاج فكري يحافظ على إنسانية الوجدان، ولا تستطيع المادة أن تلغي عاطفته وإحساسه الجميل بالكلمة، لذلك تنافس الشعراء الشباب في مسابقة قصائد إلى عاصمة الثقافة بشقيها الفصيح والنبطي والتي نظمتها دائرة الثقافة والإعلام من خلال بيت الشعر، ومركز الشارقة للشعر الشعبي، تلك المسابقة التي احتفت بكل مشارك، ولم تقتصر على الحاصلين على المراكز الأولى، بل امتدت لتكرم الجميع من كرم راعي الثقافة والأدب والشعر والإنسانية .
محمد عبدالله البريكي
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"