المتنبي في أبوظبي

03:40 صباحا
قراءة 3 دقائق
كانت ولا تزال دولة الإمارات العربية المتحدة سبّاقة في تقدير العلم والمعرفة، وتحتفي دائماً بكبار الطاقات المعرفية التي سخّرت جهودها وإمكاناتها في خدمة البشرية من خلال ما تمتلكه من معرفة أسست لحضارة خالدة ومستمرة مع الزمن، لأن هذه الدولة تدرك أن المعرفة هي التي تؤسس للبناء المتين الذي لا تهده عواصف التغيير، ولا تقتلعه رياح العولمة، ولا تؤثر فيه تقلبات الزمن، فالمعرفة تتعاطى مع كل جديد، بل هي المنطلق الحقيقي والأرضية التي تقف عليها كل هذه التطورات المعرفية الهائلة التي نشهدها في عالمنا .
وقبل أيام استضافت شارقة الثقافة في مهرجان الشارقة القرائي للطفل مجموعة من العلماء العرب الأوائل، فحضر الجزري، وعباس بن فرناس، والرازي وغيرهم، وتحدثوا في قاعة "ألف اختراع واختراع" عما قدموه من معرفة للإنسانية في علوم كثيرة، وتوقف الناس عند كلامهم المباشر الممسرح ليعرضوا لهم تجاربهم التي أخذها من أتى بعدهم وعملوا على دراستها دراسة عميقة من أجل أن يطوروا ما أسس له علماء العرب والمسلمين .
وها هي عاصمة دولة الإمارات أبوظبي خلال هذه الأيام تستضيف الشاعر العربي ذائع الصيت أبو الطيب المتنبي، هذا الشاعر الذي ولد سنة 303 ه وتجلى عطاؤه حين عاش في بلاط سيف الدولة الحمداني، وقدم خلال تلك الفترة أعمالاً شعرية عملت على جانب خالد من حضارة العرب، وأرخت لمرحلة مهمة من مراحل الدولة العربية والإسلامية، وأصبح هذا التاريخ الموثق شعراً مرجعاً تاريخياً مهماً، وأكد أن الشعر كان ولا يزال أحد العوامل المهمة التي تدون التاريخ والتراث وتوثقه بمراحله وأحداثه، لتبقى هذه الأحداث والوقائع شاهدة على عظمة هذا الكائن الساحر المتغلغل في الوجدان العربي، وليثبت أنه الأقرب إلى النفوس، والأسهل تداولاً وحفظاً من خلال اختزاله للفكرة وتقديمها كإضاءة أو لمحة تفتح للمتمعن باب البحث للوصول إلى آفاق رحبة من المعرفة .
ورغم بعد الفترة الزمنية بين ولادة هذا الشاعر وبين هذا الزمن، إلا أن كبر السن لم يكن عائقاً أبداً من وصول أبي الطيب إلى العاصمة أبوظبي مثلما وصل إلى الشارقة قبله أولئك العلماء الأجلاء الكبار، فقد وفرت دولة الإمارات لهم كل السبل من أجل أن يصلوا بسلام ويحطوا على هذه الأرض لتقول لهم: "ادخلوها بسلام آمنين" والتقوا من يحبكم ويقدر عطاءكم وإنجازاتكم العظيمة، فالمتنبي خلال هذه الفترة الممتدة من 30 إبريل وحتى 5 من مايو سيستعرض شعره وما دونه من أحداث خصوصاً تلك التي حدثت خلال وجوده في بلاط أمير حلب سيف الدولة الحمداني، ففي تلك الفترة شهد العرب تفكك الدولة العباسية، وقيام عصر الدويلات، ونتج عن تلك الفترة الزمنية الخالدة ترهل وتفكك سياسي مقابل نضج فكري وثقافي تعاطى مع هذه المرحلة، وقام من خلال الكلمة بتوثيقها حتى وصلت إلينا بأحداثها وصراعاتها وحروبها وإنجازاتها، فحفظناها بما حفظوه هم لنا .
هاهو الشاعر المغرور بشعره والذي بين هذا الغرور بقوله:
الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني
                      والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ
ها هو هنا في هذه الأيام يصل بسلامة الله إلى العاصمة أبوظبي، ويقيم فيها إقامة مريحة ومرحباً به خلال فترة ستة أيام ليكرم كشخصية أدبية في هذا العام في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وليثبت من خلال طموحه العظيم ومكابدته من أجل هذا الطموح أنه كبير، وأن كبائر المصاعب تكون صغيرة في نظر كبار الهمم والعزيمة، وكثيراً ما ردد لنا:
وتكبرُ في عين الصغير صغارها
                      وتصغرُ في عين العظيم العظائمُ
دولة الإمارات العربية المتحدة لن تدعكم تموتون أيها العظماء، وستبقون خالدين على مر الأيام، وستبقى الأمة على هذه الأرض تؤمن بأهمية كلمة "اقرأ" التي افتتح بها وحي السماء، وأقيمت لهذه الكلمة العظيمة معارض للكتب مثل معرض الشارقة الدولي للكتاب، ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، لتبقى هذه الكلمة شامخة بحضورها وألقها وهي تسكن في وجدان الناس .

محمد عبدالله البريكي

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"