المهرجانات جسر التواصل

04:49 صباحا
قراءة 3 دقائق
ما من شك في أن للمهرجانات دوراً مهماً في توطيد علاقات التواصل الاجتماعي بين الشعوب، فهي جسور يعبر عليها الناس إلى مدن يتفيؤون فيها ظلال شجر المودة، ويقطفون ثمار المعرفة، وينهلون من مشارب العلم المختلفة، ويصححون مسارات كثيرة بالتحاور والنقاش وتبادل الرؤى والمفاهيم .
وهذه المهرجانات التي تنظم بين الحين والآخر في دول عدة، تحظى بعضها بسمعة جيدة، وبعضها تنقل عنها وسائل الإعلام صورة جميلة، لكن مثل هذه المهرجانات يلاحظ عليها غياب عملية التواصل والتبادل والحضور للمنظمين من دول أخرى ليفتحوا أبواباً قد تكون مغلقة أو مواربة، ويطلعوا عن قرب على ما يقدم من فعل وحراك .
والتقاط صورة المشهد الثقافي والشعري والفني لأي بلد لا تأتي عن بعد، ولا عبر الوسائل المختلفة التي جعلت العالم قرية صغيرة كما يقال، فهذه الوسائل هي بلا شك تساعد في توصيل جزء من الصورة أو المشهد، لكن نقل المشهد من واقعه ومنبعه يكون أكثر دقةً ووضوحاً وغير مغبش، أما ما ينقل عبر الكتابات المتناثرة هنا وهناك عن المهرجانات قد لا يكون صحيحاً، وقد تكون الصورة المنقولة مبهرجة بالرتوش، وهذه العملية قد تكون هدامة على المدى البعيد، وتفقد ثقة الناس في جمال العمل الذي نظمت من أجله، وسيحتاج مَن يريد ترميم ما تم هدمه زمناً طويلاً لإعادة ثقة المتلقي بالدهشة والجمال، أما نقل الصورة المغبشة في زمن سهل فيه التواصل، وأصبح الحصول على المعلومة ميسراً فإنه سيكشف حقيقة التراجع وقلة الجودة، وسيأتي بنتائج غير مرضية للجهة التي سخرت له الإمكانات وهيأت له الظروف كي يحجز له مساحة متميزة على خريطة الإبداع والجمال .
إن تبادل الزيارات بين المنظمين للمهرجانات، والاطلاع على تجربة الغير في التنظيم والاختيار للأسماء المشاركة والتعرف إليها عن قرب، ومحاولة الكشف عن حضورها لدى المتلقي، عملية مهمة، وتسمح بتبادل الخبرات بين المنظمين والاقتراب من المشهد وتصويره بدقة وواقعية يفيد في العملية التنظيمية، ويمنحها جزءاً من التفوق والتميز، وهو في حد ذاته يفتح آفاقاً جديدة، ويمد جسوراً طويلة من العلاقات الإنسانية والأخوية بين الدول .
والمتتبع للكثير من المهرجانات العربية والخليجية يلحظ غياب هذا التنسيق، وربما يعود ذلك الأمر إلى قلة التواصل أو عدم المبادرة بالدعوة للحضور، والاكتفاء بدعوة المشاركين والإعلاميين دون الذين يتعبون على رسم خطة واضحة مبنية على نية مخلصة تتطلع إلى اختيار الممثل الحقيقي لبلده .
ولا يعني حضور أي منظم لمهرجان آخر أنه سيجد الأفضل والأجمل، وسيرى صورة فاتنة بديعة للواقع، فقد لا تكون الاختيارات مناسبة أو على مقدار الحدث، لكنه سيجد جزءاً من الجمال قد يستخدمه كإضافة تعينه على التخطيط الأنسب لأي فعالية ينوي تنظيمها وتقديمها للناس، وهذا لا يعني أيضاً أن تنقل الصورة كما هي لتطبق في مكان آخر، فمسؤول التنظيم يفترض فيه الاطلاع على أي فكرة من أجل أن تنبثق عنها فكرة أخرى تطورها، أو تكون مغايرة لها وهذا كفيل بأن يوجد مناخاً من التنافس الأدبي الخلاق من أجل تقديم عمل مدروس يستظل بظل الدراية والدربة والمراس والاطلاع، مستفيداً بإيجابية من الغير بإضافة رؤية خاصة ومختلفة تكتب له التميز والابتكار .
اشتعال أخير:
العاشقونَ لهم من وحدتي قمرٌ
               يضيءُ عالمَهم . . يسري به الألقُ
وإن أتى الصبح شباكي وأيقظهمْ
               غابوا عن العين والأشعار وافترقوا

محمد عبدالله البريكي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"