بلاغة سلطان عن زايد الإنسان

03:01 صباحا
قراءة 3 دقائق
حين فكرت في كتابة كلمة عن جائزة زايد للكتاب، وجدت أن ما قيل كثير، وأن ما سأقوله قد لا يبتعد كثيراً عما قيل، لكن ضوءاً من التاريخ طرق نافذة الفكر وأهداني كلمة حين تُسمع أو تُقرأ تتساقط معها الدمعة ممزوجة بالفرح والحزن في آن، فرح الكلمة ودهشتها وإحساسها الذي كتبها، والحزن الذي أتى في سياق الكلمة عن الفقد المؤلم لصاحب هذه الجائزة .
لا نقول إننا غير قادرين على الإتيان بالجديد، فهذا الاعتراف يعتبر عيباً كما قال عنه المتنبي:
ولم أر في عيوب الناسِ عيباً
            كعيب القادرين على التمامِ
لكن نقول إنه من الصعوبة أن نأتي بالجديد المتفرد عن الشيخ زايد، رحمه الله، فكل ما سيكتب لن يخرج عن دائرة المحبة، لكن الشعور لا يعترف بالقياس ولا النسب، فهو حس نستشعره ونتفاعل مع أثره .
حين أعلن عن فوز صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بلقب شخصية العام الثقافية في دورة الجائزة الرابعة تقديراً لجهود سموه في رعاية التنمية الثقافية العربية ودعم الإبداع، قال سموه كلمة أدهشت وأبكت وأثرت وأثْرت ولخصت، كلمة رققت القلوب القاسية، وأبكت القلوب الرقيقة لأنها من القلب إلى القلوب، وركز فيها قلب سلطان النابض بالإنسانية على رؤية مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة وعلى أنها تعد منهجاً ينبغي للآباء والأمهات أن يضعوه نصب أعينهم عند تربية أبنائهم .
لن أقول كثيراً كثيراً، فقد قال سلطان قولاً جميلاً، وسأصمت في حرم الحب أذكر ماقاله من قبل الشاعر نزار قباني:
فإذا وقفتُ أمام حسنك صامتاً
          فالصمتُ في حَرَم الجمال جمالُ
كَلِماتُنا في الحُب . . تقتلُ حُبنَا
              إن الحروف تموتُ حين تقالُ
هنا الضوء الذي أغناني عن الثرثرة، وهنا الصدق والمحبة التي قالها سلطان القاسمي عن زايد بن سلطان آل نهيان، وأراهن على الدمعة التي ستسقط من القلوب التي تعيش الإنسانية واقعاً وحياة حين تقرأ ما يلي من قول سلطان:
"إخواني، لن أتحدث اليوم عن الجائزة وآفاقها، بل سأتحدث عن صاحب الجائزة . . منذ أكثر من 40 سنة وصل إلى هذه الأرض وزير الخارجية البريطاني لحكومة حزب العمل آنذاك، وأكد للجميع أن بريطانيا لن تسحب قواعدها فيما وراء السويس، وبعد ستة أشهر وإذا بالوزير نفسه للحكومة نفسها يأتي ليعلن الانسحاب المفاجئ .
وكانت صدمة للجميع، وأصبح الناس كالأغنام في الليلة الماطرة، وافترقت الفئات، وتنابذت بالألقاب، وتداعت علينا الأمم، وإذا بنجم يلوح في الأفق من هذه الأرض، نجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيعُ، كان ذلك زايد بن سلطان آل نهيان، وإذا بالرجل وبهمة الرجال يسرع الخطى ويختصر المسافات، ويؤمّن الخائف، ويطعم الجائع ويعلّم الجاهل، ويكوّن أمة . . أقول إنه هو الأمة .
وفي يوم من أيام رمضان، وإذ بكلمات ترفضها الآذان، وإذا بها تمزق الوجدان . . مات زايد بن سلطان، وإذ الدموع تملأ المحاجر وإذا الكلمات تغص بالحناجر، وإذا السكون يعم المكان إلا من كلمات . . اللهم لا اعتراض، اللهم لا اعتراض، اللهم لا اعتراض .
أنا من على هذا المنبر أدعو جميع الحاضرين في هذه الصالة والذين يشاهدوننا من خلال التلفاز . . أيتها الأم . . أيها الأب . . أمسك القلم وأجلس أبناءك حولك، وسطّر . . هذا ماكان يحبه زايد، هذا ماكان لا يحبه زايد، ونجمع تلك الأوراق، لا نضعها على الرفوف، ولا نتغنى بها على الدفوف وإنما نضعها في الصدور، ونضعها في مقدمة الدستور، وبهذا الوفاء نكون قد أوفينا الرجل حقه" .

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"