أمة ضياع الفرص

05:17 صباحا
قراءة 3 دقائق

بعد خروج الاستعمار من مصر والسودان أضاع سياسيو البلدين فرصة توحيد القطرين التاريخية . ترى لو أن تلك الوحدة قد تمت هل كان السودان سيواجه محن التهديد بالانفصال والتجزئة التي يواجهها اليوم والتي قد تؤدي إلى تقسيمه إلى دول عدة؟

في أوائل الستينات من القرن الماضي قامت جماعة من العسكريين والساسة السوريين بالانقلاب على وحدة الجمهورية العربية المتحدة، فانفصلت سوريا عن مصر . وارتكب القائد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر خطأ تاريخياً بعدم التدخل السياسي والعسكري لوأد تلك الجريمة القومية وبعدم الإصرار على استفتاء الشعب السوري في أمر بالغ الأهمية كأمر الوحدة . ترى لو أن تلك الوحدة لم تنفرط وبقيت تلك النواة الوحدوية صامدة هل كان باستطاعة الكيان الصهيوني أن يذلّ مصر ويشلّها ويشكل خطراً داهماً مستمراً على سوريا؟ بل هل كان لمفهوم الوحدة وزخمه أن يتراجع بالشكّل المفجع الذي نراه أمامنا؟

منذ نهاية الستينات وحتى بداية هذا القرن حكم سوريا والعراق حزب واحد، ولأسباب غير مقنعة على الإطلاق أضاعت القيادتان في البلدين فرصة تاريخية لإقامة دولة وحدة كبيرة في العدد والأرض والثروات والإمكانات . ترى لو أن تلك الوحدة قامت هل كان باستطاعة أمريكا وحلفائها وخدمها من الخارج والداخل احتلال العراق وإرجاعه كدولة ومجتمع إلى الوراء عشرات السنين؟

في الثمانينات من القرن الماضي قام مجلس التعاون الخليجي، وكان باستطاعته بعد عدد محدود من السنين أن يعمل على ضم اليمن إلى عضويته . ترى لو أن اليمن أصبح جزءاً من المجلس هل كان سيواجه إمكانية الإفلاس المالي الذي ينفجر اليوم في وجهه، وأن يصبح مرتعاً للانقسامات الطائفية والقبلية وللتهديد بالردة الانفصالية فيصبح اليوم فريسة للتدخلات الأجنبية التي لن تقود إلا إلى إضعافه وضياع استقلاله وربما إلى تجزئته؟

وينطبق الأمر على عدد آخر من ضياع الفرص من مثل فشل الاتحاد المغاربي بسبب موضوع الصحراء المغربية، وفشل قيام كتلة شعبية قومية هائلة بسبب خلافات البعثيين والقوميين العرب والناصريين سواء في ما بينهم أو مع بعضهم بعضاً، وفشل قيام أي نوع من التوحد الاقتصادي العربي وتجنب الانخراط بمغامرات العولمة المالية الفاسدة . والقائمة طويلة وموجعة للقلب وعلى رأسها إمكانية إضاعة فرصة ثروات البترول العربي التاريخية لبناء اقتصاد إنتاجي معرفي في دول البترول ليكونوا القاطرة التي تجر قطار أمة العرب ووطن العرب ونهضة العرب .

نحن إذن أمام ظاهرة مركبة تمتاز بعمى البصيرة والانتهازية وسوء التخطيط في السياسة، تعززها ثقافة الفردية الأنانية الجشعة غير الملتزمة بالمسؤولية وحمل الأمانة، تسمح بوجودها عند القادة وأصحاب القرار مؤسسات مجتمع مدني خائبة ضعيفة متثائبة بليدة . إنها ظاهرة ضياع الفرص وعدم القدرة على الإمساك بها في اللحظات التاريخية الحاسمة . والنتيجة هي السقوط التاريخي المذهل الذي نراه أمامنا والذي يهدد بولادة مستقبل كسيح مشوه لأمة العرب .

في قلب كل تلك العثرات التاريخية تكمن حقيقة غياب الديمقراطية في الحياة السياسية العربية . كل تلك القرارات الخاطئة، على مستوى الحكومات وعلى مستوى مؤسسات المجتمع المدني، اتخذت من قبل فرد أو مجموعة صغيرة من دون إشراك للشعوب أو لأعضاء المؤسسة، ولم يسبقها نقاش عام أو استفتاء . والموجع المقلق أن كل ذلك امتد من التاريخ إلى الحاضر، وفي كل يوم تضيع الفرص تلو الفرص .

إن يوليوس قيصر يقول على لسان شكسبير إن هناك موجات في أمور الرجال إن لم يركبها هؤلاء إبان الطوفان فإن الفرص تضيع . ومثل المرء تحتاج الأمم أن تتعلم ثقافتين وحكمتين: الأولى من الأيام، والثانية من التجارب . فهل سيوقف العرب نزيف ضياع الفرص؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"