أوباما والدولار بعد الخسارة

04:18 صباحا
قراءة 4 دقائق

د . لويس حبيقة
متابعة للسياسة الأمريكية منذ عقود، هنالك مفاجأة حصلت هذه السنة مع خسارة الرئيس الأمريكي الانتخابات التشريعية في وقت تحسن خلاله الاقتصاد بشكل كبير . عندما وصل الرئيس أوباما الى الحكم في بداية سنة ،2009 كانت الولايات المتحدة في أزمة كبرى تتلخص في ركود قاس وبطالة مرتفعة وغضب شعبي بسبب الحروب والأوضاع . ضخ المال عبر برنامجه المتكامل البالغ 787 مليار دولار، كما ضخ المصرف المركزي النقد لانقاذ الاقتصاد ونجحا . التعاون الكبير المسؤول بين السلطتين المالية والنقدية ساهم في عودة قوية للنمو الأمريكي بلغ في آخر فصل من 2014 نحو 4 .3%، كما أنتج انخفاضا للبطالة إلى ما دون 6% من 11% في 2009 . خلال هذه السنة ارتفع عدد الوظائف الجديدة 230 ألفاً شهرياً، مقارنة ب190 ألفاً شهريا في سنتي 2012 و 2013 . كيف يمكن معاقبة الرئيس الأمريكي عندما تكون إنجازاته الاقتصادية كبيرة وسريعة؟ لماذا يعاقبه الأمريكيون ويدفعونه الى انهاء ولايته الثانية بصعوبة أي بتعاون مفروض ومعقد مع حزب جمهوري يميل أكثر فأكثر إلى اليمين؟ هنالك سببان واضحان أو ربما محتملان ساهما في الهزيمة وكانا، في رأي المقترعين والمتغيبين، أهم من الإنجاز الاقتصادي الواضح:
أولاً: عدم قدرة الرئيس على التواصل بفاعلية وسهولة مع السياسيين من الموالين والخصوم . لم تكن علاقاته سهلة مع القيادات الديمقراطية والجمهورية، إضافة إلى قطاع الأعمال الجمهوري التوجه عموماً .
ثانياً: التردد في اتخاذ القرارات، صحيحة كانت أم خاطئة . يعود هذا التردد الى شخصية الرئيس الذي يرغب في درس المواضيع واكتشاف الأراء قبل اتخاذ القرارات النهائية . لكن هنالك أحياناً قرارات يجب أن تتخذ بسرعة في مواضيع داخلية وخارجية، منها الصحة والعلاقات مع الحكومات الخارجية بما فيها دول المنطقة . هنالك تردد وربما أهم رغبة في إبعاد أمريكا عن ساحة القرارات الدولية، أي تحويل الولايات المتحدة من دولة قائدة لكل شيء إلى أخرى عادية وهذا ما لا يقبل به أصحاب السلطة أو حيتانها . لم تنتج هذه العلاقات الصعبة مع قوى النفوذ قرارات شعبية يسوقها له الإعلام المتأثر جداً بالمصالح المالية والاقتصادية . "براءة" أوباما السياسية وخبرته المحدودة قبل الرئاسة إضافة إلى صدقيته في التعامل مع الغير بشفافية أضعفته، بل ربما أسقطته عبر هذه الانتخابات القاسية .
الآن حصلت الخسارة وانتصر الجمهوريون في المجلسين التشريعيين . هل يعني هذا سقوط الرئيس؟ ليس بالضرورة، اذ إن الجمهوريين يعرفون تماماً أن التعاون معه ضروري لهم حيث إن الإنجازات إذا تحققت سيستفيدون هم منها أيضاً . الفشل المقصود في التعاون مع الرئيس سينعكس سلباً عليهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة في ،2016 وبالتالي سينتصر الديموقراطيون عندها رئاسيا مع "هيلاري كلينتون" أو غيرها . هنالك مصلحة جمهورية في التعاون مع أوباما وتوظيف النتائج في المعركة الرئاسية الكبرى بعد سنتين . تصريح السيناتور "ميتش ماكونيل" منذ أيام وهو المرشح لقيادة الجمهوريين يشير إلى هذه الرغبة خاصة وأن الأمريكيين اختاروا لنفسهم حكماً متناقضاً أي ديموقراطي في الرئاسة وجمهوري في التشريع . لذا فالنتائج الاقتصادية المقبلة ستعتمد الى حد بعيد على قدرة السياسيين الأمريكيين على التعاون لمصلحة البلاد والشعب وإلا سيحصل العقاب القاسي مجدداً في سنة 2016 .
مشاكل أمريكا الاقتصادية كبيرة بدأت من عجز الموازنة وارتفاع الدين العام أكثر من الناتج المحلي الإجمالي إلى عجز ميزان الحساب الجاري وغيرها والتي لا تعالج بسحر ساحر، وإنما عبر القرارات الصحيحة النابعة من تعاون السلطتين الكبيرتين . كيف سينعكس هذا الواقع الجديد على الدولار في الأسواق العالمية؟
أولاً: هنالك حقيقة هي أن وضع الدولار لم يتأثر بأزمة أمريكا المالية . حصة الدولار من الاحتياطي النقدي العالمي تبلغ 62%، كما أن المستثمرين يحملون في محفظتهم 6 .5 ألف مليار دولار من سندات الخزينة الأمريكية، ارتفاعا من ألف مليار دولار في سنة 2000 . هنالك ثقة عالمية كبيرة مستمرة واضحة في القيادات والمؤسسات المالية والنقدية الأمريكية . اللجوء إلى أمريكا نقداً وأصولاً يعتبر لجوءاً إلى الأمن والأمان النادرين جداً في عالم اليوم .
ثانياً: الثقة ما زالت كبيرة في مؤسسة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي التي تأسست في سنة ،1913 فانتقلت هذه السنة من إدارة "بن برنانكي" إلى إدارة "جانيت يللين" . ربما يبقى الدولار النقد العالمي الأساسي ليس بفضله وإنما بسبب غياب الخيارات الأخرى العملية والمقبولة شعبياً ومن قبل المؤسسات المالية والنقدية والمصرفية العالمية .
ثالثاً: الخبرة النقدية الموجودة في أمريكا لا مثيل لها عالمياً . هذا لا يعني أن وضع السياسة النقدية المناسبة هو أمر سهل، بل على العكس تماماً . اختيار تحريك الفوائد في النسبة والاتجاه والتوقيت هو في غاية الصعوبة بالرغم من الخبرات الكبيرة والتجارب الغنية والتقنيات الحديثة المتوافرة . كما أن مهمة الرقابة المصرفية تبقى صعبة في اقتصاد معولم واسع يسمح للجميع بالاستفادة من فرصه ومخاطره المتزايدة .
رابعاً: من التحديات الكبرى المفروضة على الأمريكيين القبول بتوسيع الدور الصيني في المؤسسات الدولية القائمة أي مؤسسات "بريتون وودز" من بنك دولي وصندوق نقد، وإلا لجأت الصين إلى تأسيس مؤسسات جديدة منافسة تسهم في إضعاف الجميع .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"