أوهام عربية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية

03:46 صباحا
قراءة 3 دقائق

موسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذه المرة هو أشد مواسم الانتخابات الرئاسية غرابة في استمرار العرب في عادة تعليق متجدد لآمال عربية متجددة على هذه الانتخابات، بالذات في ما يتعلق بقضية فلسطين وباحتمال حدوث تغيير في موقف الإدارة الأمريكية من هذه القضية .

أما سبب كونه الموسم الأغرب في هذه المواسم المتكررة مرة واحدة كل أربع سنوات، فيعود إلى أسباب عديدة، بعضها عربي وبعضها أمريكي:

1- أهم سبب عربي هو أن الأنظمة العربية الرسمية نفسها، لم تعد تملك وجهة نظر صلبة في قضية فلسطين، حتى تحاول إقناع دول العالم بوجهة النظر هذه .

فمنذ بداية هذا القرن الجديد، تعبيراً عن خلاصة التحولات التي شهدها العالم في العقد الأخير بالذات من القرن المنصرم، تمخض الموقف العربي الرسمي في قضية فلسطين، فاختصر نفسه مبدئياً وعملياً في المبادرة العربية التي تبنتها جامعة الدول العربية في مؤتمر القمة في بيروت في العام 2002 .

وقبل إبداء الرأي في هذه المبادرة، يمكن أن نلاحظ أنه منذ ظهورها لم تبذل الدول العربية، خاصة تلك التي تملك بعض القدرة على التأثير في بعض المواقف الدولية، بأي جهد لمحاولة إقناع أحد بهذه المبادرة، اللهم إلا المبادرة التعيسة التي اتخذتها السلطة الفلسطينية بنشر نص المبادرة كإعلانات باللغة العبرية في الصحف الفلسطينية، تعبيراً عن اعتقاد بالغ السذاجة بأن تؤدي هذه الإعلانات ببساطة إلى إقناع إسرائيل بالمبادرة شعباً وحكومة .

لا داعي بعد ذلك لمناقشة تطابق المبادرة مع أساسيات القضية الفلسطينية، لأنها جاءت تنازلاً عن هذه الأساسيات، باعتبار العام 1967 هو أساس القضية الفلسطينية، وليس العام 1948 .

ومع ذلك، وحتى لو كنا من المؤمنين بالمبادرة وعدالتها المبدئية، فإن علينا المقارنة العملية بين مسارين:

- مسار بذل جهود عربية وفلسطينية لإقناع دول العالم بمبدأ إقامة دولة فلسطين على ما تبقى من أراضي الضفة الغربية (إضافة إلى غزة) .

- ومسار بذل مزيد من الجهود الإسرائيلية لاستكمال تهويد الضفة الغربية (الأرض الموعودة للحلم بإقامة دولة فلسطينية)، واستكمال تهويد القدس العربية (العاصمة المفترضة لتلك الدولة المفترضة) .

أظن أن أحداً لا يجادل في أن الجهد المبذول في المسار الأول هو صفر، أما الجهد المبذول في المسار الثاني فهو مئة في المئة .

2- غير أن هناك أسباباً أمريكية تدعو إلى كون تعليق الآمال العربية على الموقف، تطور الموقف الأمريكي في الانتخابات الرئاسية، هو الأغرب في هذه المواسم المتكررة، يتعلق بعدم ملاحظة العرب، وبعض الفلسطينيين في السلطة الرسمية، أن موسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية، قد تكرر منذ ولادة القضية الفلسطينية في العام 1948 أكثر من خمس عشرة مرة، في تداول للسلطة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري . وأن التاريخ العملي لمجموع هذه الرئاسات الأمريكية، يقول إن التأييد الأمريكي الرسمي لإسرائيل وللمشروع الصهيوني الاستعماري بالذات، كانت تتزايد من رئيس أمريكي إلى آخر .

والأغرب من هذا، أن بعض العرب، شعبياً ورسمياً، قد علقوا آمالاً خاصة على تجديد ولاية الديمقراطي أوباما، لأن خلافاً قد نشب بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بسبب تأييد هذا الأخير للمرشح الجمهوري رومني .

أن أشد انتقام يمكن أن يقوم به أوباما (إذا أراد أصلاً أن ينتقم) هو المساعدة على تحويل دفة القيادة في المشروع الصهيوني، من نتنياهو إلى زعيم صهيوني آخر، يمكن له أن يتفاهم معه، أكثر من رئيس الوزراء الحالي لإسرائيل . كما أن علينا ألا ننسى أبداً أن الرئيس المجددة ولايته، أوباما، قد فاز بلقب أكثر رؤساء أمريكا تأييداً لإسرائيل منذ نشأتها .

غير أننا بين هذين السببين للاستغراب، السبب العربي والسبب الأمريكي، فإننا نرى أن السبب الأول، أي العربي، هو الأقوى والأدعى لإثارة اهتمام العرب .

ولعل أكبر درس علينا تعلمه من تراكم هذه الملابسات السيئة، مع كل موسم للانتخابات الرئاسية الأمريكية، هو أنه ليس أمام أمريكا أي احتمال عملي داخلي، سيدفعها إلى تغيير موقفها من القضية الفلسطينية، إلا إذا عاد الفلسطينيون، والعرب جميعاً معهم، إلى استعادة أساسيات هذه القضية، فيفرضون على العالم، مرة أخرى، أن أساس القضية الفلسطينية المطلوب إيجاد حل عادل وشامل لها، هي الجريمة التي ارتكبها المجتمع الدولي بحق فلسطين في العام ،1948 وليس الاشتباك المسلح الذي وقع بين إسرائيل من جهة، وبين مصر وسوريا، في العام 1967 .

إن تحولاً فلسطينياً وعربياً كهذا، لن يؤدي فقط إلى أن يفرض على أمريكا وحدها تغيير موقفها من القضية، لكنه سيفرض هذا التغيير على العالم أجمع .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"