إدلب.. كرة النار الملتهبة

02:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

على الرغم من التوصل إلى وقف لإطلاق النار في إدلب، بعد موجة التصعيد الكبيرة التي وصلت إلى مرحلة الصدام المباشر بين الجيشين السوري والتركي، وما خلفه من قتلى وجرحى بالعشرات في صفوف الطرفين، وخشية حقيقية من انزلاق الصراع إلى ما هو أخطر، فإن هذه الهدنة، قد لا تكون قابلة للصمود طويلاً، لأسباب كثيرة، أولها التناقض الواضح بين موسكو وأنقرة، والخلافات بينهما حول الكثير من الملفات، وعلى رأسها التخلص من التنظيمات الإرهابية، التي يستحيل مع وجودها إقرار حالة من الهدوء والسلام في المنطقة.
وعلى الرغم من أن كلاً من تركيا وروسيا تتحاشيان الصدام المباشر، لكن أحداً لا يستطيع أن ينفي وجود خلافات شديدة بين الطرفين، وخاصة أن تركيا لا تزال تزج بالمزيد من قواتها إلى داخل الأراضي السورية، وهو ما يعني أن أجنداتها أبعد بكثير من الشعارات التي تطلقها، وهي المساعدة في التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، أو مساعدة اللاجئين السوريين الذين يهجرهم القتال المستعر، بحسب المزاعم التركية.
صحيح أن اللقاء الذي عقد، مؤخراً، بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين في موسكو نحج في تطويق الصراع أو تبريده لحين، إلا أن المقترحات والخرائط الروسية لم تلبِّ المطالب والآمال التركية، وأولها انسحاب القوات الحكومية السورية إلى الخطوط المنصوص عليها في اتفاق سوتشي، حيث رضخت أنقرة مجبرة على تقبل الوضع الميداني الجديد، وهو وضع يبدو أنه يتبدل باستمرار وتتداخل فيه الأجندات التركية والأمريكية، والمواقف الروسية، والسورية، التي تؤكد دائماً حق الدولة السورية بالسيطرة على كامل أراضيها، وخاصة أن هناك العديد من نقاط المراقبة التركية باتت محاصرة في المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة السورية.
ولذلك يمكن القول: إن شهر العسل الروسي التركي انتهى أو سينتهي ما لم تتلاءم أنقرة مع وجهة النظر الروسية حيال الحل في سوريا، على الرغم من أن التعاون بين البلدين يتجاوز الحدود السورية، والإقليمية كذلك، إلى قضايا استراتيجية أكبر مثل خط أنابيب غاز السيل التركي الذي افتتحه أردوغان وبوتين مطلع العام، والذي ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا، إضافة إلى صفقة صواريخ «إس 400»، التي تلاقي معارضة فعلية من الولايات المتحدة والناتو، حيث تبدو محاولة واشنطن الاستفادة قدر الإمكان من الخلافات الروسية التركية، سواء لإضعاف دور روسيا، أو الضغط على تركيا، وهو ما بدا واضحاً، من خلال تقرير الخارجية الأمريكية السنوي الذي تحدّث عن فوضى تضرب نظام أردوغان، إضافة إلى اتهامات حول تنظيم حملات قمع غير مسبوقة، واعتقال عشرات الآلاف من منتسبي حركة فتح الله غولن، واتهامهم بالإرهاب.
وعلى الرغم من أن تركيا وروسيا لاعبان أساسيان في الساحة السورية، ويمارس كل واحد دوره انطلاقاً من أجندات مختلفة، فإن الجانبين يدركان أنهما سيخسران معاً في حال إنهاء شراكتهما في الساحة السورية.
لكن السؤال المطروح هو: هل ستصمد هذه الشراكة لو استأنفت التنظيمات الإرهابية حربها ضد الجيش السوري، وهو الأمر الذي سيجبر الأخير على الرد، ومن ثم سينهار وقف إطلاق النار في إدلب؟ وخاصة أن أنقرة لم تقدم حتى الآن ما يشير إلى رغبتها الفعلية في الإيفاء بالتزاماتها بتجريد المنظمات الإرهابية من أسلحتها، وإصرارها على ما يبدو على إبقاء هذه المنظمات كأوراق ضغط في يدها، إضافة إلى ملف اللاجئين، وهي أوراق تساوم من خلالها في أي مفاوضات تتناول الأزمة السورية، سواء مع روسيا أو الاتحاد الأوروبي، أو أي طرف آخر.
ولذا، فإن أزمة إدلب تبدو ككرة لهب، خفت لهيبها قليلاً، لكنها مهددة بالتدحرج في أي لحظة إلى أماكن أخرى حاملة معها المزيد من العنف، وسيناريوهات قد تكون سيئة وخطرة جداً، ما لم يتم الدخول في عملية سياسية حقيقية، بعد الانتهاء من ملف التنظيمات الإرهابية التي لا تزال مرابطة في معاقلها الأخيرة في إدلب وبعض المناطق السورية الأخرى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"