إصلاح المؤسسات في دول مجلس التعاون

05:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

قضية العلاقة بين الأفكار والمثاليات من جهة، وبين المؤسسات التي تقلبها من مجرّد كلمات وأقوال إلى واقع ملموس من جهة ثانية، تحتاج إلى أن تنتبه لها مؤسسات الحكم في دول مجلس التعاون الخليجي . فأن يكون هناك دستور عصري يتكلم عن مبادئ العدالة والمساواة ومسؤوليات الدولة في تقديم الخدمات الاجتماعية من مثل التعليم والصحة والعمل والسكن، وأن تكون هناك قوانين تفصّل كل ذلك، وأن توقع الدول على اتفاقيات حقوق الإنسان وحقوق النساء والأطفال . . أن يكون كل ذلك موجود على الورق، ومعلن على الملأ من قبل النظام السياسي شيء، وأن تقوم المؤسسات المعنية بتنفيذ كل ذلك على الوجه الصحيح شيء آخر .

فمثلما أن المبادئ والإيديولوجيات ضرورية في الحياة السياسية فكذلك وجود المؤسسات الكفؤة الفاعلة غير الفاسدة . ويخطئ الحكم إن ظن بأن مهمته تنتهي بوضع الدساتير والقوانين والإعلانات والخطابات السياسية، وأنه بعد ذلك يستطيع أن يتهاون أو يتلاعب بالنسبة لأدوات وأشخاص التنفيذ . عند ذاك تصبح الحياة السياسية حياة شدّ وجذب وصراعات لا تنتهي .

على سبيل المثال تعلن دول مجلس التعاون مسؤوليتها عن توفير التعليم الجيد الأساسي لكل أولاد وبنات مواطنيها، ولكنها تعيّن هذا الوزير أو ذاك الوكيل أو المدير من الذين لا كفاءة لديهم ولا يتمتعون بقدرات قيادية أو إبداعية، وأن كل ما يميزهم هو قربهم من هذا المسؤول أو ذاك، أو الانتماء لهذه العائلة أو القبيلة . وتكون النتيجة وجود نية مثالية وإعلان سياسي محترم أمام مؤسسة تنفيذية عاجزة وفاشلة، فيضطر الكثيرون إلى بيع ما فوقهم وما تحتهم لإرسال أبنائهم إلى المدارس الخاصة .

وينطبق الأمر على الإعلان عن مسؤولية الدولة عن صحة المواطنين، ثم وضع قيادات فاشلة أو توظيف عناصر ضعيفة، أو البخل في توفير الميزانيات الكافية، أو غياب التعليم والتدريب المستمرين للعاملين في حقل متغير بصورة مذهلة . ومرة أخرى تكون هناك فجوة بين القول والفعل .

ومن الممكن الحديث عن عشرات المجالات الأخرى من مثل الإسكان والعمل والشباب والرياضة والطفولة والحياة التجارية والاقتصادية التي تزخر بالأقوال وبخطابات المسؤولين الجميلة الباهرة، ولكنها تعيش واقع التخلف أو الضعف أو حتى التزوير بسبب عدم إيلاء الاهتمام الكافي لأدق تفاصيل المؤسسات التي ستقوم بالتنفيذ .

إذن فالمطلوب الأساسي في هذه المرحلة من حياة دول مجلس التعاون الخليجي ليس التوسع في إضافة شعارات ومثاليات جديدة وإنما المطلوب، وكحالة مستعجلة وبالغة الضرورة، إصلاح المؤسسات التنفيذية إصلاحاً جذرياً لتستطيع تنفيذ ما هو معلن من مبادئ وخطابات سياسية، حتى ولو كانت تلك المبادئ والخطابات مليئة بالنواقص وغير مكتملة . ذلك أن تنفيذ ما هو غير مكتمل أفضل بكثير من الحديث عن تكميل ما لن ينفذ أو ينفذ بصورة مشوهة .

مطلوب من المسؤولين الكبار ومن أصحاب القرار البدء بتغيير مسارات المؤسسات لتقل فيها وفي قيامها كل النواقص الكبرى السابقة وهي نواقص معروفة: فهناك التعيينات القيادية على أسس عائلية أو قبلية أو عرقية أو استزلامية انتهازية، وهناك عدم وجود أجهزة مستقلة فاعلة للمحاسبة والتدقيق والعقاب، وهناك الخلط الفاضح بين خدمة الوطن والمواطنين وبين خدمة مصالح هذه الفئة أو تلك، وهناك التقدم والصعود على أساس الجهد والكفاءة والإخلاص للوطن، وليس على أساس المجاملات والنفاق والاستزلام السياسي . هناك جوانب كثيرة تملأ المجلدات، إن لم تؤخذ بعين الاعتبار فعلى المثل والنوايا الحسنة السلام على يد مؤسسات فاشلة عاجزة ومساهمة في توتير العلاقة بين المواطنين وأنظمة الحكم .

لنا عبرة في القرآن الكريم: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات (صدق الله العظيم) .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"