استباحة الأقصى تهدد الوصاية الأردنية

04:42 صباحا
قراءة 4 دقائق
أعلنت حكومة نتنياهو الثلاثاء 22 أكتوبر الجاري أن القدس الموحدة تخضع للسيطرة "الإسرائيلية" الكاملة . الإعلان ليس جديداً، بيد أن توقيت تجديد الإعلان عنه، يراد به التأشير إلى السيطرة الصهيونية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس الشرقية المحتلة منذ العام 1967 .
منذ أسابيع تشتد حملة صهيونية مسعورة على المسجد الأقصى، تتم فيها استباحة ثاني أقدس أماكن عبادة لأكثر من مليار مسلم، ومنع أداء الصلاة فيه، وتحظى قطعان المستوطنين وعصابات اليمين الديني الأشد عنصرية برعاية رسمية وعلنية من شرطة الاحتلال وجنوده .
يستغل نتنياهو أجواء الحملة على داعش، وتجدد موجة الإسلام فوبيا في الغرب، من أجل استباحة الأقصى والتنكيل بالفلسطينيين المسلمين، والسعي إلى تهويد هذا المعلم الشامخ بزعم أن ثمة هيكلاً يهودياً مزعوماً يرقد في أساسات بناء المسجد، وهو ما تنفيه كل مصادر الآثار ومراجعه . وفي هذه الأثناء يتم تشديد الخناق على بيت المقدس وأهلها وعلى ما يجاورها من "أكناف بيت المقدس" .
التصعيد الصهيوني ضد الحرم الشريف، إذ يشكل تحدياً للدول والمجتمعات الإسلامية ولمنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية والأمم المتحدة، فإنه يشكل في الوقت نفسه تحدياً سياسياً مباشراً للسلطة الفلسطينية التي تتخذ مواثيقها من القدس عاصمة لدولة فلسطين، وكذلك للأردن حيث أقرت "اتفاقية السلام" الموقعة بين عمّان وتل أبيب عام 1994 بحق الأردن في الوصاية على الأماكن الإسلامية في القدس الشرقية . وفي الوقت ذاته أقرت السلطة الفلسطينية بوصاية الأردن على القدس وأبرمت اتفاقاً بذلك مع الأردن في العام الماضي 2013 . يُذكر هنا أن دائرة أوقاف القدس تتبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الأردنية التي تتولى دفع رواتب الموظفين والائمة والحراس، وتتولى الوزارة عمليات إعمار وصيانة الأقصى بصورة دورية . ومع ذلك ورغم تغني تل أبيب بالعلاقات الدبلوماسية مع عمّان فإنها تواصل تحدي السلطات الأردنية والفلسطينية بالاستباحة شبه اليومية للمسجد الاقصى سعياً للاستيلاء عليه .
في هذه الأثناء نشط الأردن كما السلطة في رام الله بحملة دبلوماسية في مجلس الأمن، وبمخاطبة سفراء دول مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي من مخاطر السلوك الصهيوني "الأحادي وغير القانوني" . تل أبيب لم ترد بشيء على هذه التحركات الدبلوماسية، واكتفت بمواصلة استباحة الأماكن المقدسة، فيما كان السفير الصهيوني في عمّان دانييل نيفو يتحدث بمناسة مرور عقدين على اتفاقية وادي عربة عن "علاقات استراتيجية مع الأردن" وعن أن "الحركات السياسية وتحديداً الإسلامية والتجمعات النقابية تلعب دوراً مهماً في التأثير في الرأي العام الأردني المعادي لاسرائيل" .
لا شيء يوحي بأن الاحتلال سيتوقف عن طمس معالم المدينة المقدسة، وتفريغها من هويتها العربية والإسلامية بممارسة مختلف أشكال التنكيل والبلطجة والسطوة المسلحة، وتشجيع التيارات الأشد تطرفاً على استهداف أماكن عبادة المسلمين المقامة منذ نحو 1400 عام . فذلك يتفق مع المنحى الذي يتبعه نتنياهو في إقامة دولة توراتية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا مكان في هذه الدولة ولا اعتبار فيها لغير اليهود، سوى لمن يخضع منهم خضوعاً تاماً للعنصرية الصهيونية .
وهنا يقع التحدي السافر على الأردن صاحب الوصاية على الأماكن الإسلامية المقدسة، خاصة أن الأردن يعتز بالشرعية الدينية الهاشمية للنظام التي تعزز شرعيته السياسية . وتدرك عمان كما تدرك تل أبيب كما يدرك الجميع أن التحركات الدبلوماسية وحدها، والاقتصار على الحملات السياسية الأردنية والفلسطينية والعربية لن يوقف مخططات المحتلين في التهويد القسري للقدس وللأماكن المقدسة فيها . فليس هناك طرف في العالم يمارس ضغوطاً فعلية على تل أبيب، باستثناء دول في الاتحاد الأوروبي تقاطع منتجات المستوطنات وبعض الجامعات "الإسرائيلية"، وبعض دول أمريكا الجنوبية التي قطعت العلاقات مع تل أبيب، فيما لم تعد كل من موسكو وبكين تضعان الصراع العربي - الصهيوني وحقوق شعب فلسطين في الاعتبار في صوغ علاقاتهما الدولية .
ليس أمام الأردن من أجل تكريس مصداقيته، سوى وسيلة الضغط على الاحتلال عبر استخدام ورقة العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب . بدون استخدام هذه الورقة لن تتوقف الأطماع الصهيونية، وسوف تتزايد نداءات ارتفعت في الكنيست العام الماضي تطالب بسن تشريع يرفع الوصاية الأردنية عن الأماكن المقدسة . علماً أن استباحة الأقصى والحرم الشريف والأماكن المحيطة، والتنكيل بموظفي دائرة الاوقاف ومنعهم من أداء عملهم في حماية المكان ورعاية المصلين، هو من قبيل رفع الوصاية الأردنية فعلياً .
كما أن تصريحات نتنياهو الأخيرة حول السيطرة الكاملة والتامة على القدس، تحمل رسالة واضحة وشديدة الاستفزاز لعمّان مفادها أن لا مكان لوصايتها عملياً على أي جزء من القدس المحتلة .
كان الصراع على مدى عقود يتركز حول استعادة القدس العربية من براثن الاحتلال، والآن فإن الصراع السياسي والقومي والتاريخي قد جرى اختزاله في الحفاظ على الأماكن الدينية في المدينة المقدسة فحسب، وحتى هذا الجانب الروحي والرمزي والمعنوي فإنه يجري سلبه جهاراً نهاراً وعلى رؤوس الأشهاد من الأردن ومن السلطة الفلسطينية، ومن بقية العالم الإسلامي الذي يشيح بأبصاره عما يجري للقدس، والذي ينغمس في صراع محموم بين مكوناته ومذاهبه وطوائفه .

محمود الريماوي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"