الإمارات النموذج الجيد للفدرالية العربية

04:54 صباحا
قراءة 3 دقائق

تذكرت وأنا أهم بكتابة هذا الموضوع، الإمارات النموذج الجيد للفدرالية العربية، تصريحاً لهوشيار زيباري وزير خارجية العراق، بعد فترة من إطاحة نظام صدام حسين، الذي كان العراق يخضع له بالقهرية والجبرية، والذي قال فيه زيباري إن الفدرالية الإماراتية هي نموذج حسن للاقتداء به في العراق . وقد أصاب هوشيار الحقيقة، لأن الاتحاد الإماراتي قام على أساس من الحوار والتفاهم بين القيادة العليا التي كانت تمثلها أبوظبي ودبي، وكذلك بين القيادات الأخرى الخمس الباقية . واستغرق هذا الحوار والشد والمد في حبل التفاهم ثلاث سنوات بكاملها من دون انقطاع . ومن كثرة ما كان عليه المسؤولون من جدل حول الطرائق المثلى للاتباع، ظن الناس أن الجدل لن يقود إلى نتيجة، وأن الخلاف بين المتحاورين كبير . ولكن ذلك لم يكن صواباً، ولم تكد تنتهي المهلة التي حددها الإنجليز للانسحاب من المنطقة أو توشك أن تنتهي، حتى أعلن عن قيام هذه الدولة التي أصبحت كما قلنا نموذجاً طيباً لأية فدرالية عربية في داخل منطقة الخليج، وفي أي بقعة عربية أخرى أو غير عربية في المنطقة، كإيران، وباكستان، وأفغانستان، وأمثال هذه البلدان التي تتكون من إثنيات وطوائف من المتعذر حدوث الاندماج بينها في المدى القريب، بسبب جملة من الموروثات التي خلفتها عصور من النزاعات والاختلافات والحروب وانعدام الثقة .

وللإنصاف وللتاريخ، لا بد أن نذكر أن الحوار الهادئ وعدم التراشق بالألفاظ الخشنة والمسيئة التي نسمعها هذه الأيام بين المتخاصمين السياسيين العرب، كان هو الأساس في أي لقاء أو جدول أعمال يطرح للتداول، وكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان نموذجاً للربّان اللبيب، الذي لا يصيبه أي ارتباك إذا جابهت سفينته أحوالاً غير مناسبة، وهو في عرض البحر . وكان -رحمه الله- يصر على استمرار الحوار، والتساهل مع المتحاورين في كل الأحوال . وكان الشيخ زايد لا يتساهل مع المتحاورين في الداخل فقط، بل كان مثل هذا التساهل يبديه للذين كان يعتقد بتأثيرهم في المتحاورين من الخارج، ويحاول إقناعهم بوجوب المساعدة في إنهاء المشكلات . وهكذا فعل المغفور له الشيخ راشد بن سعيد، وحكّام الإمارات، الممثلون في مجلس حكام الإمارات، قبل قيام الدولة . وليس صحيحاَ مطلقاً أن الإنجليز هم الذين كانوا السبب الأساسي في قيام دولة الإمارات، وهذه المقولة خطأ، وكانت تروجها الأجهزة الراديكالية المتشددة التي كانت ترى الأمور برؤية غير موضوعية، وكان الإنجليز في غاية السلبية لتقديم أي مقترح لحل المشكلات، وخاصة خلال فترة السنتين ونصف السنة، التي مرت على إعلان الانسحاب، وبالعكس، من ذلك فإن سياسة الإنجليز والدول ذات المطامع الاستعمارية في أكثر الأحيان هي توسيع شقة الخلاف أكثر بكثير من تطبيعها . وللإنصاف أيضاً، نذكر أنه ليس هناك دليل على أن الإنجليز كانوا يثيرون الخلافات الداخلية في الإمارات أثناء المباحثات الخاصة بتكوين الدولة .

والحقيقة أنني لست هنا أستعرض تاريخاً تحليلياً لقيام دولة الإمارات، ولكني أريد أن أركز على نقطة مهمة وهي أن الحوار المتسم بالاحترام المتبادل بين المتحاورين، هو السبيل الوحيد للوصول إلى الحل، وأعطي في حديثي هذا مثالأً حياً من الإمارات التي قامت منذ ما يقارب نصف قرن، وهي بإذن الله مستمرة لأجيال قادمة، على التحاور وإعطاء كل إمارة الحق في إدارة أمورها الداخلية، التي هي أعرف بها من غيرها . وإذا أرادت الدول المجاورة والعربية أن تعيش في مأمن من الخطوب وما تخبئه الأيام من المآسي، فعليها الاقتداء بما هو واقع في هذا البلد العربي، الإمارات . وعلى مسؤولي هذه الدول وقيادتها الاقتناع بأن الديقراطية، وإعطاء الحرية للناس لكي تختار سبيل عيشها، هما الحل لإزالة المشكلات القائمة أو القادمة، وأن الإدارة المركزية غير القائمة على الديمقراطية، والاعتراف بحقوق الطرف الآخر، مثل هذه الإدارة ليست فاشلة فقط بل هي غير عادلة، ولا تعطي الناس الفرصة للمشاركة في إدارة شؤونهم العامة، وجورٌ بائن لا بد أن يزول في يوم من الأيام، إن لم يكن عاجلاً قريباً، فآجلاً قادماً لا ريب فيه .

ولا نزعم أن النموذج الإماراتي هو الأمثل بين الأفكار الفدرالية المطروحة، ولكننا نقول إنه نموذج جيد وقابل للتطور، وإن الأخذ به يضع الأساس المتين لمثل هذا التطور السياسي خاصة، الذي ما زال الإماراتيون يتطلعون إليه وينشدونه، كما حصل لهم من تطور في الشأن الاجتماعي والاقتصادي، اللذين لوجودهما في أي مجتمع تأثير كبير في الفكر السياسي المتطور، ويتولد منهما هذا الفكر السياسي المتطور المنشود .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"