التصالح مع العنصرية

03:11 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

لا يخلو العالم يومياً من الأحداث التي تؤشر أننا على وشك مرحلة يراد لنا فيها التساهل مع «العنصرية»، والملاحظ أن أحدهم لم يتوقف ليحلل تلك الظاهرة التي تتسلل ببطء ومن خلال آليات عدة، سياسية وإعلامية لتهيمن على العقل رويداً رويداً، لتبدو في نهاية المطاف مقبولة بل وعادية.
في الظاهر نستطيع أن نرى صعود صوت الأحزاب اليمينية في بعض البلدان الأوروبية، فضلاً عن معاناة اللاجئين والتي لا تخلو من نظرات فوقية هنا أو هناك، نظرات لا تلقي بالاً إلى أزمة الإنسان الذي ترك كل ما يملكه وراءه، هرباً من أجل الحصول على فرصة في الحياة، بالإضافة إلى مواقف متكررة أصبحت لا تدهشنا، ربما نحتج أو نعترض ولكن لا نتيجة. وعندما يتكرر الموقف يردد لسان حالنا «ما باليد حيلة»، ووصل الأمر إلى أن يُقْدِمَ طفلٌ سوري لم يتجاوز التاسعة على شنق نفسه نتيجة لمعاملته كآخر غريب ومختلف في إحدى المدارس التركية، فلم يحتمل عقل الطفل الإقصاء .
يراد للعنصرية الآن أن تتجاوز السياسي والإعلامي إلى ما هو أعمق، إلى ما رددنا دائماً أنه نقطة مضيئة تبحث عن المشترك بين البشر، نقطة تتجاوز الخلافات والصراعات، ونعني بها الأدب، وإلا كيف نفسر أن تذهب جائزة نوبل للآداب هذا العام إلى النمساوي بيتر هاندكه المعروف بتأييده لمجزرة سريبرينتسا في تسعينات القرن الماضي؟. المثير للأسى في حالة هاندكه أنه لم يكن مثل قلة من الأدباء الذين حصلوا على الجائزة وكانت تفوح في أعمالهم رائحة العنصرية، ما يميز هاندكه أنه «عنصري نشط»، إن جاز هذا المصطلح؛ حيث ندد بالضربات التي وجهها حلف شمال الأطلسي إلى الصرب، واصفاً إياها ب«أوشفيتز جديد»، بل وأعاد جائزة كانت ألمانيا قد منحتها له، اعتراضاً على مشاركتها في تلك الضربات، وبعد ذلك أثار جدلاً بحضوره مراسم دفن الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش.
وكما للعنصرية في بعدها السياسي والحضاري وتجلياتها الإعلامية منظروها، فبالتأكيد هناك مبررات عديدة نتوقعها في جعبة المدافعين عن «القيمة الأدبية وحدها»، ولكن في الحالة الأدبية، الروح هي التي تتضرر، على مستوى أعمق ولكن أكثر تأثيراً.
كتب الفيلسوف المجري جورج لوكاش في أعقاب الحرب العالمية الثانية كتاباً ضخماً بعنوان «تحطيم العقل..كيف ضلت الفلسفة الطريق؟»، أوضح فيه المسار الخادع الذي اتخذته الفلسفة الألمانية العقلانية في الظاهر، اللاعقلانية في الحقيقة، وأدى إلى وصول النازي إلى الحكم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"