الحماسة العراقية لقمة لا ينتظرها أحد

04:43 صباحا
قراءة 4 دقائق

يبدي مسؤولون عراقيون حرصاً ملحوظاً على انعقاد القمة العربية الدورية في بغداد في موعدها المقرر 29 مارس/ آذار المقبل . ولم تعقد القمة في العام الماضي نظراً لتواقتها مع ذروة موجة الربيع العربي، وللسخونة التي اعترت الحياة العامة في العديد من العواصم العربية، وانشغال قادة عرب أما بمتابعة التطورات أو مواجهتها . في هذه الآونة يتجدد الحديث عن استعداد بغداد لاستضافة القمة وقد زار الأمين العام المساعد أحمد بن حلي العاصمة العراقية الاثنين الماضي 30 يناير/ كانون الثاني لهذا الغرض، وأبدى من هناك ارتياحه لاستكمال الاستعدادات اللوجستية لاستقبال هذا الحدث، الذي يسبقه اجتماع لوزراء الاقتصاد واجتماع لوزراء الخارجية العرب على التوالي .

من يقرأ هذه الأخبار يتصور أننا ما زلنا نعيش في عام ،2010 وإن الهمّ الأول للمسؤولين في هذه المرحلة هو تفعيل العمل العربي المشترك، وأن انظار الرأي العام هنا وهناك ترنو لمؤسسة القمة، وهو ما يفسر حالة الهدوء التام في الشوارع العربية .

للرد على ذلك، أوضح بن حلي أن القمة سوف تتداول موضوع الحراك العربي الجاري حالياً، وذلك للتدليل على أن الحديث يدور حول قمة مزمعة بعد أسابيع، وأن لها بالتالي صلة بزمن الناس هذا . لكن الأمين العام المساعد وفي معرض الحديث عن اجتماع عادي للقادة، لم يأخذ في الحسبان أن دولاً منها مصر وليبيا واليمن تشكو فراغاً أو تعيش وضعاً انتقالياً على مستوى القيادة فيها، وأن الأزمة السورية الطاحنة تلقي بظلالها الثقيلة على المشهد العربي برمته . وأن دولاً مثل الجزائر والبحرين والأردن والمغرب فضلاً عن اليمن، ما زالت تشهد - بتفاوت - حراكاً واسعاً في شوارعها، وأن أحد الرؤساء العرب وهو الرئيس السوداني مطلوب لمحكمة دولية، وأن هناك رئيساً معتكفاً هو الرئيس العراقي الذي تستضيف بلاده القمة كما هو مقرر .

يفهم المرء ان مهمة الجامعة العربية هي في الأساس مهمة تنظيمية، وأن الأمين العام المساعد كما الأمين العام يؤدي كل منهما واجبه في تنظيم هذا الحدث، ما دام ليس هناك مطالبات عربية رسمية بتأجيل انعقاد القمة حتى الآن . وهو الأمر المتوقع حدوثه خلال الفترة القريبة المقبلة . لكن ما يعز على إدراك المرء هو الحماسة العراقية الرسمية لاستقبال هذه المناسبة والإيحاء أن الحياة الطبيعية من جميع النواحي تسود عاصمة الرشيد، خاصة من الناحيتين الأمنية والسياسية . علماً بأن قيام رئيس الوزراء بإقالة نائب رئيس الجمهورية من دون علم هذا الأخير، وطلب محاكمته قد أربكت المشهد السياسي إرباكاً شديداً، لدرجة اعتكف فيها الرئيس جلال الطالباني واستضاف في أربيل نائبه طارق الهاشمي الذي استهدفه إجراء رئيس الحكومة نوري المالكي، الذي أضاف إلى هذه الخطوة إقالة نائبه صالح المطلك، وعلى إثر ذلك تدهور الوضع الأمني، وازداد الوضع السياسي تعقيداً، وتدهورت العلاقات مع إقليم كردستان، حيث رفض رئيسه مسعود البرازاني تسليم الهاشمي . وأصيبت الحكومة بما يشبه الشلل مع تجميد وزراء قائمة إياد العلاوي العراقية عضويتهم فيها، ثم اشتداد الخلافات بين المالكي ومقتدى الصدر، وهذه شبكة من أزمات جعلت حكومة المالكي ضعيفة التمثيل، وجعلت البرلمان رهينة لتخبط القوى السياسية وتدخلات القوى النافذة .

من دواعي الغرابة أنه في الوقت الذي تعجز فيه حكومة المالكي عن إدارة حوار وطني جدي وتمثيلي، يسهم في الخروج من حالة الانسداد المديدة، فإن المسؤولين في حكومة المالكي يتطلعون إلى جمع القادة العرب، والإسهام في حل معضلات الوضع العربي وليس أقل من ذلك . علماً بأن هذه الحكومة ومنذ أوقفت مفاعيل آخر انتخابات برلمانية قبل نحو عامين والتي تصدرتها قائمة العراقية، لا ترغب في رؤية نهاية للأزمة المتطاولة، ذلك أن رئيسها الحالي يرى من مصلحته الحزبية والفئوية استمرار الوضع القائم على ما هو عليه، وهو وضع رخو يتيح مختلف أشكال التدخلات الخارجية، ويجعل العلاقات مع دول الجوار في حالة دائمة من المد والجزر .

كان الظن والأمل أن خروج القوات الأمريكية سيفتح الباب أمام يقظة وطنية لملء الفراغ وبناء الدولة الوطنية دولة السيادة ودولة القانون، غير أن واقع الحال يفيد بأن كل الاهتمام منصبّ على تسييد ائتلاف دولة القانون على كل مفاصل السلطات . وهو أمر تدركه سائر الدول العربية القريبة والبعيدة جغرافياً عن العراق، بما لا يشجع على مغامرة عقد قمة في هذا البلد، علاوة بالطبع على الانشغال الموصول في هذه المرحلة بالقضايا الداخلية لكل بلد .

بدلاً من الانشغال الروتيني وشبه العبثي بقمة غير مرغوبة من أحد، ولا ينتظر أحد أن تثمر شيئاً في هذه الظروف، وتتشكك الغالبية في مجرد التئامها بما يجعل الحديث عن عقدها أقرب إلى الثرثرة، فإن الخيار الصالح هو ملاقاة الشعوب في طموحها من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وتجديد الأنظمة من داخلها كي تتحول إلى أنظمة عصرية تستمد شرعيتها من شعوبها، وتحكم باسم هذه الشرعية وليس بفضل السطوة المطلقة، ودون انتظار ضغط الشارع، أو بلوغ مرحلة تنضج فيها احتمالات التعرض لضغوط أجنبية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"