الحوار خيارٌ لا غنى عنه

03:54 صباحا
قراءة 4 دقائق

بين دول الخليج، تتميز البحرين أنها دولة ليست غنية مقارنة بشقيقاتها، وهي تبعاً لذلك ليست عضواً في منظمة أوبك النفطية، وقد تلقت مملكة البحرين ومعها سلطنة عمان، دعماً مالياً خليجياً هو الأول من نوعه على هذا المستوى وبهذه الصورة العلنية .

والبحرين من الدول السباقة إلى إنشاء مجلس نيابي في أواسط سبعينيات القرن الماضي، وهي تجربة لم يقيّض لها الاستمرار طويلاً، لكنها بقيت في سجل هذه البلاد مكسباً لشعبها، ومحطة فارقة تشكل مرجعية وسقفاً لمطالب شعبية . ومنذ مستهل القرن الحالي عبرت البلاد في انعطافة جديدة تم فيها طي صفحات الماضي وعودة المنفيين واستئناف الحياة النيابية ووقف الإجراءات التقييدية، وشارك معارضون سابقون بوصفهم وزراء في حكومة بلدهم الذي تحول إلى مملكة هي الثانية في منطقة الخليج والرابعة في الوطن العربي .

تتميز البحرين إلى ذلك، بثنائية طائفية في تركيبة سكانها المسلمين، فيما تضم التركيبة السكانية عدداً ضئيلاً للغاية من مسيحيين ويهود . وخلال أمد زمني طويل حافظ البحرينيون على تفوقهم العددي على المقيمين، لكن تعداداً جرى في العام 2010 كشف أن البحرينيين يشكلون نحو 46% من السكان البالغ عددهم مليوناً و234 ألف نسمة، ويعزى السبب في ذلك إلى سرعة الزيادة الطبيعية للوافدين (84 % منهم آسيويون) التي تقدر بنحو 11% مقارنة ب 7% للبحرينيين .

التحركات التي شهدتها شوارع البحرين منذ مطلع العام الجاري بدت لافتة في حجمها وسقف مطالبها وكذلك في طبيعة هذه التحركات . فعلى الدوام كانت شرعية الحكم فوق النقاش وخارج التداول، حتى في فترات التضييق على المعارضة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي . ووُجِهَتْ بعض هذه التحركات بتشدّد رسمي، وبتفعيل مواثيق مجلس التعاون باستقدام قوات من درع الجزيرة . وانطلقت خلال ذلك دعوة رسمية إلى الحوار بمشاركة سائر الأطياف والجمعيات السياسية والاجتماعية، وقد تم التئام المتحاورين على مائدة الحوار في المنامة ابتداء من الإثنين الماضي 18 يوليو/ تموز الجاري . ولم تلبث إحدى الجمعيات المعارضة أن انسحبت من الحوار بعد أيام من انطلاقه احتجاجاً على ما اعتبرته ضآلة تمثيل المعارضة بين المشاركين . كان يفترض أن تكون مسألة كهذه موضع حوار بين المشاركين بدل الانسحاب، وأن يرفع غير الممثلين في الحوار إذا وُجِدوا، أصواتهم للمطالبة بالمشاركة بدل أن يشكو آخرون غيابهم عنهم وباسمهم . يفترض أن هذه مسائل إجرائية وتنظيمية قابلة للحل والتداول، مع عدم إنكار جانب سياسي لها .

في نهاية الأمر فإن موقع البحرين الجيوسياسي شديد الحساسية، لا يحتمل تطلعات راديكالية أو متطرفة حتى لو كانت مشحونة بمرارات وببعض الطلبات المحقة، فقد كان من خلاصات تجربة سابقة امتدت خلال الربع الأخير من القرن الماضي، أن التطرف من أي مصدر أتى، ومهما كانت الذرائع والمسببات والمطالب المشروعة والمضخمة، يشكل وبالاً على البلاد والعباد .

احتجاج البعض على استقدام قوات لدرع الجزيرة غير مبرر، فلا يمكن القبول بالانضواء في مجلس التعاون الخليجي وإنكار مواثيقه ومفاعيله في الوقت ذاته . والحلول الأمنية لا توفر بطبيعة الحال مَخرجاً ناجعاً، فالحلول السياسية العادلة والمشتركات الوطنية وإرادة الوفاق والتوافق واعتماد مبدأ المواطنة، والمشاركة السياسية الواسعة، والاحتكام إلى الدستور، مع حق النظر فيه كما يحدث في معظم دول العالم، هي ما يُعول عليه اليوم وغداً، وعلى الدوام في هذا البلد المميز بحيويته الثقافية، ومسالمته مع محيطه وعراقته التاريخية، وتواصله الحي مع العالم .

لقد شهدت البحرين منذ مطلع هذا القرن تحولاً سياسياً نوعياً قاد إلى انفراج واسع، وأدى عملياً إلى تشريع أحزاب سياسية تحت مسمى جمعيات، وشهدت الصحافة حالة ازدهار مع اتساع متزايد في هامش الحريات العامة، والشروع في مداواة جروح الماضي، وقد حدث ذلك من دون ضغوط خارجية ولا حتى داخلية . الحكماء والخيّرون في البحرين، وما أكثرهم في المواقع الرسمية وغير الرسمية، على طاولة الحوار وخارجها، ومن المنتمين إلى مختلف مكونات النسيج الاجتماعي والوطني، تتجه إليهم الأنظار هذه الأيام كي يقولوا كلمات طيبة تعزز الوحدة الوطنية وتعمق من إرادة الإصلاح والسعي إلى تطبيقها في مختلف الميادين، خاصة تلك التي تمسّ حياة الناس بصورة مباشرة، وتدفع نحو استعادة أجواء وروحية الوضع الذي ساد في مستهل هذا القرن والسنوات اللاحقة على ذلك التاريخ المفصلي، وما تبع ذلك من تدابير إصلاحية ومن تلاقي الإرادتين الرسمية والشعبية على الأخذ بيد الشعب والبلاد على طريق التجديد والتطوير ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، على هدي من احترام المسلمات الوطنية، وإرساء العدل والمساواة على أفضل وجه ممكن، والحرص على منعة الوطن وتحصينه في وجه أي تدخلات خارجية أو تهديدات أجنبية، وبما يجعل من ديلمون هذا البلد الصغير بمساحته وموارده، مصدر إلهام وجذب، وعنواناً للنجاح ومثالاً للتميز في منطقة تحف بها المحاذير والمخاطر من كل جانب، وتختلط فيها المشاريع والخطابات السياسية والأيديولوجية المحلية منها والإقليمية، بما يجعل من الحوار الجدي والواسع التمثيل، خياراً لا بد منه لتوسيع مساحة الأمان للجميع وتجديد الالتزام بالمشتركات الجامعة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"