الدولار زعيماً من جديد

04:29 صباحا
قراءة 5 دقائق
د . لويس حبيقة
كان هنالك خوف من سقوط الدولار كنقد عالمي أو احتياطي نقدي نتيجة الأزمة المالية التي بدأت في سوق العقار الأمريكي وامتدت إلى كل جوانب الاقتصاد وصولاً إلى أوروبا وآسيا وغيرها . وصول أوباما إلى الحكم نتيجة فشل بوش في الاقتصاد أعاد بعض الروح إلى الحركة الاقتصادية وخفف الضغط الشعبي عن البيت الأبيض والإدارة . ضخ المال في الاقتصاد كما أسهم المصرف المركزي عبر زيادة الكتلة النقدية في تسهيل عمليات الاقراض وبالتالي عودة النمو . كان النقاش العالمي يدور حول من يمكن أن يخلف الدولار، حتى تم اختراع نقد إلكتروني جديد هو "البيتكوين"، إضافة إلى عملات موجودة أصلاً منها ما يتبع لصندوق النقد الدولي أو غيره .
لم يغب الدولار عن الساحة يوماً، اذ بقي معظم التبادل النقدي والمالي والتجاري مقيماً به . حتى المواد الأولية الغذائية والمعدنية بقيت مدولرة ليس فقط في أمريكا وإنما خارجها أيضاً . مع ارتفاع سعره في الأسواق مجدداً، عاد الدولار إلى الواجهة بثقة لاغياً أي حديث جدي عن بدائل قريبة أو حتى بعيدة . ما الذي حصل وأعاد الدولار إلى سابق وجهه؟ ما الوقائع الجديدة التي ميزت الدولار مجدداً كاحتياطي نقدي لا منازع له؟ نذكر ما يلي:
أولاً: عودة الاقتصاد الأمريكي إلى النمو القوي مجدداً بفضل السياسات النقدية والمالية المناسبة، إذ تشير التوقعات إلى إمكان تحقيق نمو 5% هذه السنة، وهي نسبة ممتازة لاقتصاد كبير كالولايات المتحدة . كانت سنة 2014 السنة الأفضل من ناحية فرص الأعمال منذ ،1999 حيث خلقت 9 .2 مليون فرصة عمل جديدة تبعاً لوزارة العمل . لذا انخفضت نسبة البطالة من 8 .5% في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 إلى 6 .5% في يناير/ كانون الثاني، ومن المتوقع أن تصل إلى 2 .5% في آخر هذه السنة وهي النسبة المقبولة تاريخياً .
ثانياً: تقول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن سكان أوروبا يشكلون 7% من عدد سكان العالم وينتجون 25% من الإنتاج العالمي، وينفقون 50% من مجموع الإنفاق الاجتماعي الدولي . أوروبا مهمة جداً في تاريخها وثقافتها وحضارتها، لكن ضعف النمو لسنوات متتابعة، كما التفسخ الحاصل تجاه الهوية النقدية الأوروبية المشتركة يشكلان قلقاً تجاه المستقبل . وتوسع نفوذ اليمين المتطرف في كل أوروبا يقلق العالم أجمع، ولا يمكن أن يكونا في مصلحة اليورو الذي يتدنى سعر صرفه تجاه الدولار . يقول ماريو دراغي حاكم المصرف المركزي الأوروبي إنه لتجنب انهيار أوروبا والخروج من الانكماش، يجب زيادة الانفاق ممولاً من السلطة النقدية أي عبر المصرف المركزي حتى لو ارتفع عجز الموازنات . نضيف أن الأوضاع الاقتصادية لبريطانيا التي لم تنضم إلى منطقة اليورو هي أفضل، إذ عاد النمو إليها مع 3% في سنة 2014 . مستقبل أوروبا النقدي في خطر نتيجة الأزمة المالية وتطبيق سياسات التقشف القاسية في غير محلها ومكانها .
ثالثاً: الإرهاب الذي يضرب أوروبا وأخيراً فرنسا يشكل ضربة للنمو ولواقع ومستقبل أوروبا، ولا يمكن تجاهله، إضافة إلى ما يحصل في منطقتنا من تطرف وخطاب مخيف ومقلق لم نشهده في التاريخ . ووصول إلارهاب إلى فرنسا بهذا الشكل وهذا العنف لا تقتصر نتائجه عليها وعلى أوروبا بل تطال العالم أجمع . لا بد من العودة هنا إلى تاريخ فرنسا الذي هو أيضاً تاريخ العالم المتحضر في مبادئه وقيمه . كان جان جوريس الفرنسي أحد أهم مبشري الديمقراطية وحقوق الإنسان في فرنسا والعالم . بشر بالعلمنة التي تحققت تدريجياً وتبعها فصل الدين عن الدولة تبعاً لقانون سنة 1905 . كان اشتراكياً في السياسة لكنه فرنسياً في الهوية . كان مدافعاً كبيراً عن حقوق الإنسان وعن حرية الإعلام، كما كان مطالباً بتعليم الشعوب . طالب منذ سنة 1908 بإلغاء عقوبة الإعدام ورفض كل أشكال الحروب . توفي مقتولاً في 31-7-1914 تماماً .
رابعاً: إضافة إلى ما يحدث في فرنسا وفي كل دول العالم من إرهاب، نشير إلى أن ثقافة العنف تنتشر في كل المجتمعات من قتل وضرب وتعذيب خاصة ضد النساء والأطفال . يمكن اعتبار هذه الأمور المتزايدة أخطر من الحروب الأهلية، لأنها تضرب المجتمعات في عمقها وضمن المناطق بل المنازل والأسر الواحدة . من أسباب زيادة العنف تدني الأخلاق وضعف النمو وارتفاع عدد السكان والبطالة وعدم قيام المجتمعات بواجباتها كاملة تجاه مواطنيها . في سنة ،2008 حصلت 418 ألف جريمة قتل دولياً، علماً أن تكلفة الجريمة الواحدة في الولايات المتحدة على الأشخاص المعنيين والمجتمع توازي 1 .9 مليون دولار . في إفريقيا 28% من النساء يشتكين من العنف . معظم العنف ضد الأطفال يأتي للأسف من قبل الأهل . في لبنان وخلال 2014 وما قبل، حصلت حوادث عنف عديدة مشابهة لما يحصل في الغرب، ولم تكن الحلول بمستوى الحاجة مما يكبر حجم المشكلة وينقلها إلى السنوات المقبلة . الحلول موجودة وتعتمد على التعليم والتربية والارشاد، إضافة إلى القوانين والقضاء .
خامساً: الدول الناشئة وفي مقدمتها الهند والصين . على الرغم من النجاح الاقتصادي المميز لهاتين الدولتين، ما زالتا تعانيان من مشكلتين كبيرتين هما الفساد الكبير والتلوث غير المراقب . لا يمكن التوقع بدور دولي كبير قريب لنقدي تلك الدولتين حتى للصين . إذا كانت المؤشرات الاقتصادية الكلية للجبارين جيدة، إلا أن المؤشرات الاجتماعية والانسانية الفردية ما زالت متدنية، وتجعلهما دولاً نامية أكثر منها متقدمة بسبب الحجم السكاني الكبير وارتفاع نسب الفقر . يبلغ الناتج المحلي الفردي الصيني 6090 دولاراً و1500 دولار فقط في الهند . هنالك مسافات طويلة كي تصلا إلى الأرقام الغربية أي 51750 دولاراً في أمريكا، 38920 دولاراً في بريطانيا، 39770 في فرنسا و46730 في اليابان . لا تقتصر الحلول على القطاع السكاني، إنما يجب تطوير الإنتاجية المحلية أي النابعة من الداخل وليس المستوردة . هنالك حاجة للنظر إلى التعليم في المستوى والمحتوى وإلى القوانين التي تشجع المحليين على الاستثمار والإبداع والتفوق .
سادساً: اليابان القوة الرابعة دولياً بالأسعار الثابتة (4544 مليار دولار) بعد الولايات المتحدة (16245) والصين (12269) والهند (4786) عانت الأمرين من عقود ضائعة وتضخم سلبي ضرب الاستثمارات . كان يمكن لنقدها أن يأخذ حجماً دولياً أكبر لو تغيرت الظروف والسياسات . لرئيس الوزراء الحالي شينزو أبي .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"