الدّيمقراطية وحقوق الإنسان بالمغرب

04:51 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. إدريس لكريني

بعد نقاشات وحوارات مستفيضة، تم الإعلان بصورة رسمية عن خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان (2018 - 2021)، التي تسعى إلى مواكبة الإصلاح السياسي ومؤسسة حقوق الإنسان، وترسيخ ثقافة حقوقية.
جاءت الخطة كنتاج لمقاربة تشاركية ساهم فيها عدد من الفاعلين، لتحصين المكتسبات التي راكمها المغرب منذ بداية التسعينات من القرن الماضي في هذا المجال، مع الانفتاح على المستقبل، وهي تنسجم في مضمونها مع اختيارات والتزامات المغرب ذات الصلة بالموضوع (خطة عمل مؤتمر فيينا لحقوق الإنسان لعام 1993، وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة).. كما أنها تستند على مرجعية تقوم على استحضار الخصوصية المغربية في أبعادها الثقافية والاجتماعية والدينية، وعلى مقتضيات الدستور والتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان وعلى توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وخلاصات تقرير الخمسينية المتعلق بالتنمية الإنسانية.
ثمّة علاقة جدلية بين تعزيز الديمقراطية ودعم حقوق الإنسان، كما أن احترامهما معاً هو مؤشر أساسي على تقدّم وتطوّر الدول والمجتمعات، ويظل ملف حقوق الإنسان مفتوحاً وقابلاً للمواكبة والتقييم والتحصين باستمرار.. وهو ملف يعني مختلف الفاعلين، ويقتضي مقاربة تشاركية، تقوم على مستويين الأول أفقي، ينبني على تطوير التشريعات والمصادقة على الاتفاقات الدولية ذات الصلة، ومواجهة الخروق، وتعزيز السياسات العمومية في المجال الحقوقي، والثاني عمودي، يتأسس على ترسيخ ثقافة الديمقراطية والحقوقية داخل المجتمع عبر مختلف قنوات التنشئة..
تنطوي الخطة على أهمية كبرى؛ بالنظر لموضوعها، ولكونها جاءت نتاج مجهودات جماعية، ولتأكيدها أهمية التعاطي الشمولي مع قضايا حقوق الإنسان؛ باعتبارها غير قابلة للتجزئة، وهي تندرج ضمن مسار التخطيط الاستراتيجي في مجال هذه الحقوق.
تناولت الخطّة عدداً من القضايا والمواضيع، سنحاول رصد جزء مهم منها، فبخصوص المشاركة السياسية، وأخذاً بعين الاعتبار للعزوف السياسي والانتخابي اللذين أصبحا يطبعان الحياة السياسية بالمغرب؛ تضمنت الخطّة تصوراً شاملاً ومتكاملاً لدعم هذه المشاركة، سواء على مستوى تعزيز الشراكات وتطوير المنظومة القانونية وآليات التواصل والتحسيس وبناء القدرات. ونعتقد أيضاً بأهمية تخليق الحياة العامة في هذا الصدد، وإعطاء مدلول إيجابي للتدبير ضمن تمثّلات المواطن للمشاركة، وتدبير الشأن العام، وترسيخ تنشئة اجتماعية تعزّز الثقة في النخب الشّابة والنسائية ذات الكفاءة.
أما فيما يتعلق بمحور المساواة والمناصفة وتكافؤ الفرص، فقد استحضرت الخطة ما حمله الفصل التاسع عشر من الدستور؛ الذي يؤكد سعي الدولة إلى ترسيخ مبدأ المناصفة، إلى جانب عدد من التشريعات المتراكمة في هذا الخصوص، ووضعت تصورات مهمة على طريق كسب هذا الرهان، بشكل يزاوج بين المدخلين القانوني والتّحسيسي بما يسمح بتجاوز الصورة النمطية للمرأة داخل المجتمع، والانتقال من تكافؤ الفرص إلى تكافؤ النتائج في الحياة السياسية. ويبدو أن الأمر يتطلب مجهودات جبارة ترّسخ ثقافة حضور المرأة في مراكز القرار، وتدعم تمكينها على المستويات القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، واستحضارها ضمن السياسات العمومية محلياً ووطنياً وضمن اهتمامات مختلف المؤسسات السياسية والحقوقية والتعليمية.
وعلى مستوى «الحكامة الإدارية» والنزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، أكدت الخطة المدخل التشاركي؛ لكسب هذا الرهان (التخليق)، مع استحضار الجانب المؤسساتي، والتواصلي وتقوية القدرات.
إن «الحكامة الإدارية» تفرض استحضار المقاربة الحقوقية في هذا الشأن؛ عبر جعل الإنسان هو محور التنمية، وكذا المعايير المتصلة بحقوق الإنسان في السياسات العمومية، وتوفير مكوناتها الأساسية من خدمات تعليمية واجتماعية وصحية وعدالة، إضافة إلى بلورة سياسات تنموية منفتحة على انتظارات المواطن، ووضع هذا الأخير في عمق السياسات العمومية، وإشراكه في اقتراح ومواكبة ومراقبة المشاريع التنموية، مع استحضار البُعد البيئي في هذا الإطار من قبل القائمين عليها، ومن قبل الشركاء.. والانفتاح على الهيئات والمراكز المعنية بقضايا حقوق الإنسان عند صياغة هذه السياسات والبرامج.. وتخليق الحياة العامة؛ عبر ترسيخ قيم المواطنة، ونشر ثقافة الشفافية والتوعية بتداعيات الفساد بكل مظاهره وكلفته الخطرة، بالنسبة للدولة والمجتمع في الحاضر والمستقبل.
أما فيما يتصل ب«الحكامة الأمنية»، التي تنحو إلى الموازنة بين متطلبات تحقيق الأمن بكل مقوماته وأبعاده، وضمان استقرار الدولة من جهة، وخدمة المواطن وحمايته وحفظ ممتلكاته واحترام حقوقه وحرياته من جهة أخرى.. فبدا أن الخطة واعية بأهمية هذا الخيار الاستراتيجي كسبيل لمواجهة المخاطر والتحديات المتزايدة في صورها الداخلية أو العابرة للحدود من جهة، وكسب رهانات التنمية من جهة أخرى.
وارتباطاً بحريات التعبير والإعلام والصحافة والحق في المعلومة، أكدت الخطة إدماج قيم حقوق الإنسان في برامج التكوين والتدريب الموجهة إلى مهنيي الإعلام والاتصال.
أولت الخطة أهمية للسياسة البيئية المندمجة؛ ووضعت المواطنة في صميم اهتمامها كشريك أساسي يؤدي الضرائب وينخرط في التنمية، ويستوعب أهمية المقاربة التشاركية ويحترم حقوق الإنسان في مفهومها الشامل، عبر تحفيز هذه المقاولات على وضع ميثاق داخلي عام للسلوك في المجال الحقوقي. كما أولت أهمية كبيرة لقضايا الطفولة والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة والمهاجرين واللاجئين.. على المستويات القانونية والمؤسساتية.
تمثل الخطة مدخلاً استراتيجياً لتحصين المكتسبات في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان وتطويرهما، غير أن كسب هذا الرهان يظل مشروطاً بتجنيد مختلف المقومات المتاحة والاستمرار في اعتماد المقاربة التشاركية على مستوى ترجمة مضامينها ميدانياً، مع الاستفادة من بعض التجارب المقارنة في هذا الخصوص، ومواصلة الحوار المجتمعي حول القضايا الخلافية من قبيل قضايا الإعدام والمصادقة على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"