الصدمة التي غيرت القناعات

04:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

فجأة وبشكل صادم، استيقظ العالم على ضعف؛ بل هشاشة دول غربية كبرى كان الناس في أرجاء المعمورة يُعوِّلون عليها كثيراً في مواجهة الأزمات والكوارث الطبيعية الكبرى، بسبب ما تمتلكه من إمكانيات علمية وصناعية، صوّرها أصحابها على أنها إنجازات لخدمة البشرية، لكنها أثبتت أنها ليست سوى صوامع وإمبراطوريات مالية، وواجهات لشركات احتكارية لا همّ لها سوى جني الأموال ولو على حساب حياة وكرامة الإنسان، حيث سقطت هذه الإمبراطوريات «العلمية» عند أول امتحان يكاد أن يهزمها فيروس كورونا، هذا الفيروس ما هو إلا سليل عائلة داهمت البشرية أجيالاً؛ إلا أنها انتصرت عليها في نهاية المطاف.
لم نكن نتوقع أن الولايات المتحدة أو ألمانيا أو بريطانيا أو فرنسا، وغيرها من الدول الغربية الصناعية الكبرى، ستقف عاجزة أمام كارثة كهذه، أو أنها لا تمتلك ما يكفي من الأقنعة الواقية أو أجهزة التنفس الاصطناعي، أو الأسرّة اللازمة للمرضى، وهي التي كانت صباح مساء تحاضر في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
فمع أن الحرب التي شملت ساحاتها أرجاء العالم، ما تزال قائمة في مواجهة هذا الوباء الخطر، إلا أن اللافت فيها عدم توفر الوسائل اللازمة لمقاومة الفيروس بشكل كافٍ، في دول ظلت تتسابق فيما بينها لعقود طويلة لتصنيع الأسلحة والطائرات، وأدوات القتل الأخرى، ومن بينها الأسلحة المحرمة دولياً، والمتاجرة بها، وتسويقها لتغذية الصراعات التي تشعلها أجهزة الاستخبارات الغربية في دول العالم الثالث، لاستخدامها مبرراً للتدخل في الدول الصغيرة ونهب خيرات شعوبها، لصالح الفئة القليلة جداً من أصحاب الشركات الاحتكارية الرأسمالية في العالم، والذين تقدر نسبتهم بواحد في المئة من تعداد البشر، ويتحكمون في أكثر من ثمانين في المئة من ثروات البشرية، وهؤلاء يتحكمون أيضاً في القرارات العالمية، وأغلب الظن أنهم غير معنيين، بغير زيادة ثرواتهم ولو على حساب حيوات الآخرين.
لذلك؛ لا غرابة في تهاوي القطاع الصحي الغربي في مواجهة أزمة أوجائحة كبيرة مثل كورونا، طالما أن مسارب الثراء الفاحش وجني المليارات من الدولارات، تكمن في صناعة الأسلحة وأدوات التدمير، وافتعال الأزمات بين الشعوب، على حساب أمن وسلامة الإنسان.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن ملايين البشر يموتون كل عام نتيجة للجوع، ومن بينهم 6 ملايين طفل دون سن الخامسة، وكذلك الحروب المفتعلة، ندرك إلى أي مدى تم تجاهل مآسي هؤلاء الفقراء، في وقت كشفت فيه أزمة كورونا العالمية إفلاس النظام العالمي القائم على جميع المستويات الصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والأخلاقية والعلمية أيضاً، ناهيك عن أن هذه الأزمة الخطرة التي تتضارب الآراء حول أسبابها الحقيقية، عرت بالكامل عيوب النموذج الحالي للعولمة، وأسقطت مقولة أن العالم بات قرية صغيرة؛ إذ بدا أن كل دولة من الدول الكبرى تبحث عن مصالحها ولو على حساب الآخرين، مع ظهور النزعات الشوفينية في أبشع صورها، وهو ما بدا واضحاً في سعي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إقناع شركة «كيورفاك» الألمانية التي تعمل على تطوير لقاح ضد فيروس كورونا، لنقل أنشطتها إلى أمريكا، واحتكار الولايات المتحدة الحصري لهذا اللقاح، عبر عروض مالية مغرية من الرئيس الأمريكي.
أخيراً، يمكن القول إنه على الرغم من خطورة ما يواجهه العالم من تفشي وباء كورونا، فإن اهتمام الدول الغربية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، لن يكون بهذا الزخم لو أن هذه الأزمة ظلت محصورة في الدول الفقيرة التي تقتلها المجاعات، ومختلف أشكال الفقر، ما يعني أن هذه الأزمة عرت الغرب أخلاقياً أيضاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"