الغذاء بين الكمية والنوعية

01:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

تبقى مشكلة الغذاء من أهم المواضيع المطروحة في الاقتصادات المحلية كما في العلاقات الدولية . في القرون الماضية كان استهلاك الغذاء محلياً لصعوبة النقل والشحن والاتصال . وكانت الكميات المنتجة قليلة، لكن انتباه المواطن لنفسه وعائلته فرض عليه التركيز على الجودة والأمور الصحية . كان استعمال الأدوية والسماد الكيماوي قليلاً، وبالتالي تم التركيز على الصحة . نتيجة تطور التكنولوجيا، أصبح الإنتاج دولياً وتحول الغذاء إلى سلعة كغيرها . في البدء كانت أسعار الغذاء متناسبة مع الدخل، ولم يحدث الخلل إلا لاحقاً بسبب عوامل العرض والطلب المتغيرة . يتأثر العرض دائماً بعوامل الطقس التي لا يمكن السيطرة عليها . يتأثر أيضاً بالتكنولوجيا التي غيرت طرق الإنتاج ووضعت أمام المستهلك تجهيزات جديدة غيرت طرق الغذاء كما الحياة . يتأثر الطلب بعوامل الأذواق والدخل والوقت والعمل التي تغير السلة الاستهلاكية للمواطن والعائلة .
يقارب عدد سكان العالم 9 مليارات نسمة بينما لا ترتفع إنتاجية الزراعة . هنالك تحول مقلق في استعمال الأراضي من الزراعة إلى البناء، وبالتالي تتغير أوضاع الريف كما حياة المزارعين في كل الدول والمناطق . لا بد من ثورة تكنولوجية جديدة في الزراعة تسبب ارتفاع الإنتاجية حتى لا يسوء التوازن أكثر بين العرض والطلب وترتفع الأسعار كثيراً، كما حصل مراراً في الماضي . لا يمكن أن ننسى الشغب الذي حدث في بعض الدول عندما ارتفعت أسعار الغذاء، ومنها مصر وتونس والأردن . عمليات دعم الأسعار تخف اليوم بسبب عجز موازنات الدول المثقلة بالفاتورة الصحية والتعليمية وتكلفة البنية التحتية الباهظة والمتزايدة .
هنالك قلق دولي بشأن كيفية إنتاج الغذاء في كل الدول حتى المتطورة منها، أي بشأن الطرق المتبعة من نواحي تكلفتها ونظافتها وتأثيرها في الصحة . هنالك تصرف غير أخلاقي واضح تقوم به شركات الإنتاج بحيث تستبدل أطعمة بأخرى أدنى نوعية وأقل تكلفة، أي لحوماً بأخرى، إضافة إلى غياب المحاسبة الجدية التي تجعل المنتجين يفكرون مرتين أو أكثر قبل قيامهم بأعمال مماثلة . هنالك اليوم غش واضح يقابله وعي متزايد بشأن الغذاء خاصة بشأن الأطعمة المحضرة سلفاً في مراكز البيع . لا بد لأسعار الغذاء من أن تتغير مستقبلاً لمصلحة المستهلك في صحته وقوته الشرائية . في كل المدن، هنالك غذاء جيد وآخر سيئ، ومن واجب المستهلك اختيار الأفضل . في الواقع هنالك ثلاث قناعات أو مبادئ أو مفاهيم خاطئة تساهم في إبقاء مشكلة الغذاء غامضة أي تغيب عنها الشفافية وهي:
أولاً: الغذاء الأفضل هو دائماً الأغلى، ونقصد هنا مباشرة الوجبات المقدمة في المطاعم كما المحضرة الجاهزة والمباعة في السوبرماكت . ليست هنالك بالضرورة علاقة إيجابية بين النوعية والسعر، وبالتالي أن وعي المواطن لمصالحه يبقى في غابة الأهمية . سعر وجبة الغذاء في المطاعم يعكس أحياناً تكلفات مهمة لا ترتبط بالغذاء مباشرة، منها الإيجار والأجور ونوعية الأثاث والتجهيزات والضرائب وغيرها . السعر يعكس أحياناً مستوى التلاقي الاجتماعي أيضاً، حيث تصنف المطاعم بالدرجات ليس بفضل الطعام فقط وإنما بفضل من يقصدها من مستهلكين ومجتمع أعمال وسياسيين وغيرهم . هنالك دراسات تشير إلى أن الطعام الجيد هو عموماً غير مكلف ومتوافر وبالتالي ايجاده ليس صعباً .
ثانياً: المصادر التي تقدم الغذاء ذا الأسعار التنافسية هي سيئة، بل لا يمكن الوثوق بها، وهذا خاطئ ويساهم في إبقاء الأسعار مرتفعة بل يسهل على المنتج أو العارض سرقة المواطن في السعر والنوعية .
ثالثاً: لا يمكن الوثوق بالمستهلك أفراداً ومجموعات لتغيير واقع الغذاء محلياً وعالمياً وهذا خاطئ جداً . في الواقع يبقى المستهلك أساس المعادلة، بل مصدر التجدد والتنويع والتطوير، لكنه ينسى حقوقه في معظم الأحيان أو يعتقد أن لا فائدة من التعبير عن آرائه بقوة وصوت عال عندما تتم سرقته .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"