المرأة في معترك السياسة الدولية

04:57 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي
شهد دور المرأة في تسيير الحكم، وإدارة دفة السياسة الدولية تطوراً كبيراً خلال العقود والسنوات القليلة الماضية، حيث تزايد التأثير السياسي للمرأة بشكل لافت، تزامناً مع ما حققته من نجاحات باهرة في كل مجالات الحياة العامة في مختلف بقاع العالم، إضافة إلى تفوقها الباهر في ميادين الثقافة والعلوم والإبداع الفني.
وحضور المرأة عبر العالم ما فتئ يترسّخ، سواء من خلال تصدّرها للمشهد السياسي في دول مثل ألمانيا وبريطانيا، أو في سياق الدور التقليدي الذي تلعبه كسيدة أولى إلى جانب زوجها الرئيس، كما هو الشأن بالنسبة إلى ميلانيا ترامب في الولايات المتحدة، وبريجيت ماكرون في فرنسا. بيد أن هذا الدور السياسي المتنامي للمرأة لا يصدق بالدرجة نفسها في كل دول العالم، إذ إنه وفي الوقت الذي تستعد فيه أنجيلا ميركل لخوض غمار الانتخابات التشريعية في ألمانيا مع نهاية شهر سبتمبر/أيلول المقبل من أجل تحقيق حلمها في الاحتفاظ بمنصبها الحالي للمرة الرابعة على التوالي، فإن وضع المرأة في دول الإسلام السياسي يشهد مزيداً من التراجع، كما حدث مؤخراً في إيران بعد تشكيل الحكومة الجديدة للرئيس روحاني في ولايته الثانية التي جاءت خالية تماماً من الوجوه النسائية.
ويمكن القول إن مكانة المرأة على مستوى مسرح السياسة الدولية ما فتئ يتطوّر بشكل مستمر ومتواتر في مختلف أنحاء العالم، حيث إنه وعلى خلاف ما يعتقد الكثيرون، فإن نسبة تمثيل النساء في المنابر السياسية هو أعلى في بعض دول العالم الثالث، من النسبة الموجودة في الكثير من الديمقراطيات الغربية العريقة، نتيجة لسياسة التمييز الإيجابي التي اعتمدتها بعض الدول من أجل ضمان مساهمة أكبر للمرأة في الحياة السياسية، وفي تسيير الشأن العام.
ويرى المتخصصون في شؤون المرأة والمنخرطون في الجمعيات النسائية، أن الأغلبية الكبرى من المجتمعات في العالم مازالت ترزح تحت هيمنة التصورات الذكورية المتعلقة بدور المرأة وبطبيعة الفروق بين الجنسين، التي يذهب البعض إلى الدفاع عن فرضية أنها فروق طبيعية في الأساس؛ في اللحظة التي يسعى فيها قسم آخر إلى التأكيد على أن تلك الفروق ناجمة عن التربية، وعن القيم والتصورات السائدة داخل المجتمعات. ونتيجة لذلك، فإن عدد النساء اللائي يتقلدن المناصب القيادية الأولى في بلدانهن مازال متواضعاً إلى حد كبير، لكن فرصهن في تطوير مستوى المشاركة السياسية يظل مفتوحاً على مصراعيه في معظم دول العالم نتيجة للتحولات التي تشهدها المجتمعات المعاصرة على مستوى تصورها لدور المرأة؛ حيث أسهمت التجارب الناجحة لبعض النساء في قيادة النخب السياسية، في بلورة الوعي داخل المجتمعات الإنسانية بأهمية فسح المجال للمرأة من أجل المساهمة في تنمية وتطوير مستوى وبنية الحكم الراشد، في العديد من الدول.
وعليه، فإنه، وفي اللحظة التي تراكم فيه معظم دول العالم تجاربها المتعلقة بتطوير المشاركة السياسية للمرأة، اعتماداً على الآثار الإيجابية التي استطاعت أن تتركها بعض الرموز السياسية النسائية مثل مارجريت تاتشر، وأنديرا غاندي، وبناظير بوتو، وأنجيلا ميركل، فإننا نلاحظ في عالمنا العربي - الإسلامي تراجعاً في مستوى المشاركة السياسية للمرأة؛ كما نلاحظ في اللحظة نفسها، نزوعاً لدى النخب السياسية لبعض الدول، نحو التفريط في المكاسب التي حققتها المرأة العربية والمسلمة خلال عقود من النضال منذ أواسط القرن الماضي، مع بعض الاستثناءات البسيطة التي يمكن أن نسجلها هنا وهناك، نتيجة للقرارات الشجاعة التي اتخذتها حكومات مستنيرة اختارت نهج الحداثة والانفتاح المدروس على الآخر، كما هو الشأن بالنسبة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة التي تساهم فيها المرأة في بناء وتطوير مجتمعها بشكل يدعو للإعجاب والاحترام. ونستطيع أن نزعم في هذا المقام، أن التراجع الذي نتحدث عنه يرتبط بشكل وثيق بتزايد نفوذ الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط، مع تأسيس حركة الإخوان المسلمين في مصر، وصولاً إلى إقامة أول دولة دينية في المنطقة، بعد سقوط نظام الشاه في إيران.
وهناك في السياق نفسه، محاولات حثيثة تصل أحياناً إلى مستوى الإصرار المرضي لدى بعض التيارات السياسية المحسوبة على الإسلام السياسي، من أجل تحجيم دور المرأة على جميع الصعد المجتمعية، وليس على المستوى السياسي فقط. ولم يعد مستغرباً بالتالي أن يذهب زعيم حزب النهضة التونسي إلى حصر دور المرأة عند الحدود الأسرية والبيولوجية الضيقة، والمواقف نفسها تتكرر بشكل لافت في الدول التي حقق فيها هذا التيار السياسي نجاحات انتخابية كبرى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"